أنواع الاكتئاب ذاتية المنشأ (Endogenous)، هي والفصام، من بين أشد الأنواع أهمية من الأمراض العقلية الخطيرة. وفي مرضى الاكتئاب تسود وتنتشر مشاعر اليأس والقنوط، والتأثم بصفة متكررة نمطية، وفي حالات الاكتئاب الخطيرة لا تعود للمريض الرغبة أو القدرة على أن يتصرف من تلقاء نفسه، بسبب أن كل شيء يبدو لهم عديم المعنى والجدوى شديد الصعوبة والمشقة وكثير من أمثال هؤلاء المرضى الذين يصل اكتئابهم إلى حد شديد خطير يبدو الانتحار وكأنه المخرج الوحيد المتاح من هذا العذاب.
واضطرابات النوم كثيرا ما تكون هي الأعراض الأولى في مرض الاكتئاب.
فالنوم عند مرضى الاكتئاب يكون سطحيا، وهم يستيقظون كثيرا أثناء الليل وأرق الصباح المبكر نوع متكرر من اضطراب النوم الاكتئابي ولذلك فإنه من المدهش، ولكنه صحيح أن يكون الحرمان الكلي من هذا النوم المضطرب بالفعل يؤدي إلى تحسن أكيد في أحوال كثيرة من مرض الاكتئاب. وقد ظل هذا النوع من العلاج قيد البحث المنهجي المنظم على يد عدد من فرق البحث منذ أن تم الكشف لأول مرة عن الآثار النافعة للحرمان من النوم في أواخر الستينيات.
فكيف يتم الحرمان من النوم؟ تقوم الهيئة العاملة في مستشفى الطب النفسي بالعمل على أن يظل المريض، أو مجموعة المرضى، أيقاظا طوال الليل. ثم يقضي المريض ليلة في نشاط يتفاوت بتفاوت درجة خطورة المرض مثل أوراق اللعب (الكوتشينة)، أو القراءة، أو التجول بالمشي، أو متابعة بعض الأنشطة الذهنية. فلو كان المريض شبيها بأفراد النسبة المئوية التي تبلغ الأربعين من مرضى الاكتئاب الذين يستجيبون استجابة طيبة لهذا العلاج وجدنا حالته تتحسن ببلوغ الساعات الأولى من الصباح.
واذا بهم يصبحون أكثر قدرة على التواصل الفكري مع الآخرين وأكثر نشاطا، وإذا بحالتهم المزاجية تتحول إلى التحسن. والواقع أن الظاهرة هذه تكون رائعة بصفة خاصة عندما تحدث في حالات يكون الاكتئاب قد استمر فيها عدة أسابيع كثيرة.
والتحسن في حالة المريض يدوم عامة إلى اليوم التالي بل وقد يزداد عن ذلك في بعض الأحيان، لكن الذي يؤسف له أن فترة النوم الأولى التي تعقب ذلك تعيد المريض عادة إلى الانتكاس إلى الاكتئاب، ولم يحدث أن طالت فترة التحسن إلا في حالات قليلة جدا. ومن شأن النجاح القصير لهذا النوع من العلاج أن يجعل منفعته العملية محدودة، كما أن المجهود الذي يتطلبه من هيئة العاملين بالمستشفى مجهود هائل ومشقة كبيرة.
وفي الوقت الحاضر نجد عدة فرق للأبحاث تنشغل بدراسة الأساليب التي يمكن استخدامها لتعديل العلاج بالحرمان من النوم حتى ينتج آثاراً أطول مدى وحتى يمكن الإقلال من الجهد والمشقة التي يتطلبها من العاملين بالمستشفى ومن الوقت الذي يتكلفه. والنتائج الأولية تبين أن التحسن طويل المدى الناتج عند مرضى الاكتئاب يمكن التوصل إليه بالمزج أو الجمع بين الحرمان من النوم من ناحية واستخدام العقاقير المضادة للاكتئاب من ناحية أخرى.
كذلك نشرت بعض التقارير التي تذكر أن خفض النوم بمقدار ساعات قليلة قد يكون له تأثير مفيد والواقع أن العلماء الذين تشغلهم الأبحاث الأساسية (النظرية الخالصة) حين يرون أن تغييراً بسيطاً في دورة النوم واليقظة يؤدي بالقطع إلى تأثير طيب في مقاومة الاكتئاب لا يملكون الا أن ينبهروا بهذا اللغز الذي لم نتوصل بعد إلى حل له. ولو أننا توصلنا إلى حل لهذه المشكلة لجاز أن نقترب من فهم الأساس البيولوجي للاكتئاب.
اضافةتعليق
التعليقات