على مدى اليوم هناك الكثير من التصرفات نفعلها دون أن نفكر فيها، فخطوات أقدامنا لا نتعمدها، ولا نفكر في أننا لا بد أن نرفع قدمنا اليمنى ثم اليسرى، وعند المضغ لا نفكر في رفع الفك وخفضه وشعورنا بالتعب بعد الجهد أمر طبيعي، وأنفاسنا التي تخرج لتعود محملة بالهواء النقي تتكرر عند نومنا كما في يقظتنا.
هذه التصرفات وغيرها الكثير والكثير تتم دون أن نشعر بها، ويكون المسؤول عن تنفيذها بطريقة تلقائية العقل الباطن، أما العقل الواعي فهو المسؤول عن ما ندركه ونحسبه في حياتنا، وهو يمثل الخطوط العريضة للحياة، وهو جزء صغير؛ فكان هذا العقل البشري يشبه هذا النجم الذي نراه في السماء لا ندرك منه سوى هذا الشعاع الذي يصل إلينا، لكنه في حقيقته أكبر بكثير مما نتخيل.
وعقلنا الباطن يتشكل على مدار حياتنا بثقافتنا ووعينا وتجاربنا التي نمر بها، وهو المسؤول عن الكثير من السلوكيات التي نقوم بها دون تعمد حتى تلك التي ندرك خطأها، لكننا في أحيان كثيرة نكررها بالعادة دون وعي.
وعلى أساس هذا الكم المتراكم من المعلومات والتجارب التي نكتسبها في حياتنا يتشكل عقلنا الباطن، وهو المسؤول عن أنماط سلوكنا، وعن شخصياتنا ولنبدأ بالتعرف على بعض أنماط الشخصيات كي ندرك من أي الأنماط نحن:
الشخصية غير الملتزمة
لعل هذا النمط من أكثر الأنماط انتشارا في بلادنا العربية وهذا النمط لا يتأخر فقط عن المواعيد غير المهمة، حتى إنه ليتأخر عن مواعيد العمل نفسها، وفي صباح كل يوم يجد ألف عذر تأخره.
صاحب هذه الشخصية لو حاول أن يضبط مواعيده سيكون له نظامه الكامن في اللاوعي: أنت دائم التأخير فلو حدث واستعد قبل الموعد بوقت كاف يحاول هذا النظام الداخلي إيجاد سبب لتأخيره؛ لذلك فهو يحتاج إلى علاج طويل.
لذلك حاول الدين الإسلامي وضع تدريبات عملية يومية لمعالجة هذا السلوك، ليس فقط بمعاقبة من يتأخر عن مواعيد الصلاة، بل أيضا بمكافأة من يحترم موعده ويستعد له قبل الوقت، فالذي يأتي في الساعة الأولى من نهار يوم الجمعة كمن قرب بدنة، وفي الثانية كمن قرب بقرة وهكذا في كل الصلوات انتظارها يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات.
الشخصية المأساوية
هناك شخصية تجد حياتها عبارة عن سلسلة طويلة من الأحداث المأساوية، وإذا سألته كيف حالك؟ ستجد سيلا من المآسي، فهو قد خصم من راتبه لأن مديره يضطهده، وابنه اشتد به المرض، وزوجته تنغص حياته بمطالبها التي لا تنتهي.
الشخصية المدمنة للحوادث:
أصحابها يتفننون في الإصابة بالحوادث: بدءًا بالسقوط من فوق السلم مرورا بحوداث الجروح التي تحدث بطريق الخطأ، وصولا إلى حوادث السيارات.
الشخصية المتمارضة:
فهو يدعي المرض صبيحة كل يوم.
الشخصية الفوضوية:
أصحابها يعيشون دائما في حالة فوضى في محيط منزلهم أو مكتبهم، ولا يهتمون بهيئتهم ولا يصففون شعورهم، وإذا حاول أحدهم إنهاء حالة الفوضي سرعان ما يعود كل شيء إلى حالته الأولى.
الشخصية المفلسة:
هو في حالة إفلاس دائم وليس السبب قلة ما يكسب من المال، لكنه في نمط الإنفاق؛ فهو مهما اكتسب من المال سرعان ما ينفقه، وإن كان زائدا عن حاجته ثم يشكون الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكنك لو ضاعفت دخلهم لن تتغير حالتهم لأنهم يكتسبون المال ثم ينتج عندهم إحساس داخلي بأن هذا المال لن يكفيه.
الشخصية المغرورة:
التي تبالغ في تقدير قيمتها؛ فهو يشعر أنه لا يمكن الاستغناء عنه؛ فيظن إذا غاب عن عمله أن أحدا لن يستطيع أن يحل محله، والأمور ستنقلب رأسا على عقب.
الشخصية الملولة
هي شخصية لا تثبت على وظيفة، تحب التغيير دائما فما إن ينتقل إلى مكان جديد سرعان ما ينظر لعيوبه، ويرغب في الانتقال لمكان جديد.
الشخصية التشاؤمية:
التي ترى الناس أشرارًا، والحياة لا تطاق، وكل مصائب الحياة قد اجتمعت عليه، وقد يصل به الأمر إلى تمني الموت.
الشخصية العاجزة:
فيظن أنه عاجز عن فعل أي شيء، وأن فعله لأي شيء هو غاية مجهوده.
الشخصية المتشائمة:
يرى صاحبها أن كل حياته بؤس وشقاء، وأنه سيخسر دائما ويفشل في كل حياته..
وهناك بعض الأنماط الإيجابية: مثل الشخصية التي تعتقد أنها دائما بصحة جيدة. والشخصية الناجحة: وهي التي تختار الوقت والمكان المناسبين فتنجح أعمالهم؛ فهم مثلا يشترون الأرض قبل دخولها كردون المدينة بأيام قليلة فيرتفع ثمنها، يحسنون اختيار وقت التجارة عندما ينتعش السوق فيربحون المال الوفير.
هناك شخصيات تثق في كل الناس حولها، وشخصيات تستمتع بما تقوم به من عمل. وعندما تسأل نفسك متى تتغير أنماطي السلبية وتتحول إلى إيجابية أقول لك: (إنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهم) [الرعد: ١١].
السؤال هنا هل من الممكن أن نغير أنماطنا الشخصية وسلوكياتنا؟
نعم، لكنه عند سيرنا في طريق التغيير نواجه العديد من الصعوبات، وهذه الصعوبات هي اختبار حقيقي لمدى مقاومتنا وجديتنا في اتخاذ القرار، ورغبتنا في الوصول للهدف. فعندما تقرر أن تخصص جزءًا من وقتك يوميا للقراءة ستجد مباراة مهمة لا يمكن تفويتها، وستعود في اليوم التالي مرهقا من العمل، وستشعر بصداع شديد في اليوم الثالث، وستقضي وقتا طويلا في البحث عن الكتاب في اليوم الرابع؛ فهل ستستسلم لكل هذه العقبات وتستجيب للمغريات، أم أنك جاد في تثقيف نفسك والرقي بها.
فإنك مثلا إذا قررت الاهتمام بأولادك وأسرتك فإنك سوف تزيد فترة بقائك في البيت وستلغي جلساتك الطويلة مع أصدقائك، وستختار مجموعة من الكتب حول تربية الأولاد، وبذلك تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد زدت من ثقافتك، واعتنيت بأسرتك.
عزيزي القارئ إن التغيير ممكن لكن سلوكياتك القديمة ستقاوم هذا التغيير بإصرار وعناد؛ إذاً فأولى خطوات التغيير أن تدرك هذه المقاومة وتكون مستعدا لها.
والناس هم الناس، ولكن النظارة التي نضعها على أعيننا التي تغيرت من الأبيض إلى الأسود، وعلى أساس هذه الحالة تتكون تصرفاتنا واختياراتنا.
هذه الصورة تتكون طبقا لخبراتنا الحياتية، وما نواجهه من نجاح أو فشل ولأننا نؤمن بمصداقية هذه الصورة فهي ترسم لنا إطار حياتنا، وتحدد لنا إلى أي مدى نحب الحياة والعالم من حولنا، وإلى أية درجة سنكون قادرين على تحقييق آمالنا، لهذا يعتقد الأطباء النفسيين أن هدف العلاج النفسي تغيير صورة الفرد التي كونها لذاته.
هذا الشخص الذي فقد الأمل في التفوق في مادة الرياضيات نتيجة لتجربة مبكرة فاشلة يتكون لديه توجه سلبي: لن أستطيع القيام بأية عملية حسابية، وكلما فشل في حل مسألة يقول: أنا حالة ميئوس منها. وإذا نجح مرة يقول: مجرد مصادفة، ويزداد الأمر سوءاً عندما يتحدث مع من حوله عن مشكلته بصورة سلبية؛ لأن الصورة تترسخ داخله.
إن أول طريقة لتحسين صورة الذات أن نغير الطريقة التي نفكر بها، ومن ثم التي نتحدث بها عن أنفسنا، وعندها ستتغير الأمور، فالإنسان بطيء التعلم يصبح سريع التعلم بمجرد تغيير طريقة تفكيره.
إذا كنت تعتقد أنك شخص مفلس دائما فلن تدخر المال، أما إذا اعتقدت أنك قادر على تحقيق النجاح المادي، فإذا قالت لك مرآتك أنا شخص سريع النسيان فلن تتعلم شيئًا من القرآن، وسيضيع جزء كبير من تركيزك في هذا القلق من فشلك في الحفظ، أما إذا قلت لنفسك: أنا قادر على التعلم والحفظ، وركزت في عملك ستكون قادرًا على إنجاز الحفظ بل يتم ذلك في وقت قياسي.
اضافةتعليق
التعليقات