بدا للبحث واضحاً أن الإمام الصادق (عليه السلام)، قد أسهم في إرساء قواعد العلم التجريبي، ومهد السبيل أمام المكتشفين لكثير من العناصر والجزئيات بدقة وإمعان وكان علم الكيمياء في طليعة مفردات العلم التجريبي الذي حقق فيه الإمام الصادق سبقاً علمياً، فإن لم يكن هو المكتشف الأول له عند العرب، فلا أقلّ أنه من أوائل الذين أفادوا به الأجيال المستقبلية، على أن الذي ثبت للبحث أن الرأي الأول هو الأقرب لدى التدقيق.
وكان تلميذه الأول في هذا الميدان هو جابر بن حيان الكوفي، وكان جابر من الأفذاذ الذين سبقوا إلى التخصص في علم الصنعة وما زالت نظرياته في (الكيمياء) موضع عناية الدارسين في الشرق والغرب، وقال الأستاذ محمد أبو زهرة وهو يتحدث عن جابر ورسائله في الكيمياء، وعلاقة الإمام إن كل تشكيك في نسبة الرسائل إلى جابر لا يعتمد علمياً على أساس، ونجد أنه يذكر الصادق في هذه الرسائل بما يدل على أنه كان ذا صلة بها، يعلم بمضمونها، ويوجهه في تدوينها.
وكانت رحلة جابر إلى الكوفة بداية لمسيرته الكيميائية في التحصيل، حتى برز بذلك ونبغ، وأصبح ذا سمعة لامعة في حياة الكيمياء، بعد أن أتقن أسسها في المدينة على يد الإمام الصادق، فقد كان أبوه الإمام الباقر قد شمله برعايته يتيماً حتى كبر، وخصص له الإمام الوقت الذي يدارسه فيه بعلم الكيمياء حتى استقل به.
يقول الأستاذ (برتلو) في بحثه الذي نشره بباريس عن الكيمياء عند العرب إن اسم جابر ينزل في تأريخ الكيمياء منزلة اسم أرسطو في تأريخ المنطق.
وكان الدكتور محمد محمد الفياض قد ذهب إلى أن جابراً اتصل بالإمام إلا بعد رحلته إلى الكوفة، فيما قرأت رأينا في الموضوع، يقول:
ورحل جابر إلى الكوفة، وتمكن بعد ذلك من أن يتصل بالإمام جعفر الصادق، وتلقى عنه الكيمياء، ولازمه ملازمة الصديق.
وكما شككوا في نسبة رسائل جابر إليه، فقد شككوا في أن يكون ما ورد عنه بإسم (جعفر) في رسائله: هو الإمام الصادق، بل ربما زعموا أنه جعفر بن يحيى البرمكي والردّ على هذا بديهي أن جعفراً البرمكي لم يعرف عنه الاشتغال بالكيمياء، وقد تكفل الدكتور زكي نجيب محمود بالردّ على هذا الوهم، فقال:
أما جعفر الذي كثيراً ما يرد اسمه في كتاب جابر مشاراً إليه بقوله: (سيدي) فهناك من يزعم أنه جعفر بن يحيى البرمكي، لكن الشيعة تقول: وهو القول الراجح الصدق أنه إنّما عنى به جعفر الصادق.
ونقول أنه مرجح الصدق لأن جابراً شيعيا، فلا غرابة أن يعترف بالسيادة لإمام شيعي، هذا إلى وفرة المصادر التي لا تتردد في أن جعفراً المشار إليه في حياة جابر ونشأته هو جعفر الصادق.
وقد فند كل مجموعة من الأساتذة من مزاعم جملة من المستشرقين، سواء الذين ذهبوا أن لا علاقة بين جابر بن حيان وسيده جعفر الصادق (عليه السلام)، أو الذين زعموا أن شخصية جابر بن حيان، وهمية أو أولئك الذين قالوا بأن ما ألف باسم جابر من حول عليه إذ ليس من المنطق أن ينسب جهد إنسان لإنسان مثله، فيعود بإبداع نفسه إلى عبقرية غيره في هذا الفن أو ذاك، دون أي مدرك عقلي.
مقتبس من كتاب الإمام جعفر الصادق زعيم مدرسة أهل البيت للمؤلف الدكتور محمد حسين علي الصغير
اضافةتعليق
التعليقات