يعد تطور وتنوع الإساءات في وقتنا الحاضر وكما يصفها البعض بمسمى التنمر بشيوع ظاهرة الأنانية لبعض النفوس، ووقاحة الرد، فأصبحت ظاهرة شائعة خاصة بين الجيل الجديد فيتأثر البعض منها تأثرا كبيرا قد تصل إلى دخول الفرد إلى حالة من الاكتئاب والعزلة إذا ما استطاع الدفاع عن نفسه ورد الأذى فيدخل في دوامة الصراع مع النفس هل أتجاوز الإساءة أو أردها؟، وبما أن النفس مجبولة على فعل الخير يوجه الله الإنسان لرد المسيء بقوله تعالى في كتابه الكريم: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
فالدين الإسلامي يحث عباده على مقابلة الإساءة بالإحسان حتى يتم نشر المحبة والمودة بين الناس والحد من الشحناء والبغضاء والكراهية بين البشر، ويدل ذلك على سماحة الدين الإسلامي ويحث على الأخوة بين أبناء المجتمع المسلم فرد الإساءة بالإحسان ديدن المسلم الذي يضع في أولوياته رضا الله، حيث هذا التصرف يجلب المسيء إلى الحق ويضطره إلى الندم والأسف. وما دام يوجد في الإنسان قوتان وهما: قوة الخير وقوة الشر فعندما تتسيد قوة منهما على الأخرى تكون طباع الإنسان عليه.
وبالتالي يعتبر الأمر سنة ربانية وحكمة إلهية، فالإنسان متقلب في كافة أحواله وفي حالة صراع دائم مع القضايا التي تدور حوله في المجتمع، حيث تجتمع فيه قوة النور والظلمة، الحق والباطل، القبح والجمال، والله تعالى لم يكتب العصمة للبشر وبالتالي يجب تقبل الناس على ما هم عليه بمعنى أنه يتقبلهم بشرهم قبل خيرهم.
التجاوز عن المسيء يعني المسامحة وهي بمعنى آخر العفو عن الشخص الذي سبب الإساءة لشخص ما بأي شكل من الأشكال، كما وتعرف بأنها التخلي عن فكرة الانتقام أو رد الإساءة له والاكتفاء بتجاوز الأمر السيئ الذي حصل، والمسامحة مهمة جدا للإنسان؛ لأنها تحد من الألم الذي يشعر به، كما أنها تخفف من ثقله عليه، وتسهم المسامحة أيضا بشكل كبير في رفع ثقة الإنسان بنفسه وخاصة حين يكون قادرا على رد الأذى وإيلام الشخص الذي أساء له، وهو ما يعود على النفس بالخير.
يقول الله -عز وجل- "واهجرهم هجرا جميلا". عظيمة هذه القاعدة التي فيها اقتباس من القرآن الكريم، هجر المسيء دون إلحاقه الأذى أو رد الإساءة، والعفو عند المقدرة، رسالة للإنسان المؤمن في الوعي وفن التعامل مع الأشخاص السيئين، حيث يبحث الكثير عن كيفية التعامل مع من يسيء إليه بالطريقة التي يمكن أن تقابل بها الإساءة وتتعامل معها بكل حب ودون ضرر.
ولو طغت كفة رد الإساءة يجد الإنسان نفسه وحيدا في عزلة فكثرة العتب واللوم تورث الضغينة بين النفوس، فالحقد والتفكر في الكيد يتركك في دوامة من التعب النفسي والتفكير بمن لا يستحقها، وحتى يحمي الإنسان نفسه من الضرر فإنه لا بد من أن يجعل صحته الأولى أولوياته، ويتبع خطوات من شأنها أن تحد من التعامل مع الأشخاص السلبيين والمتنمرين، فلا بد من يجعل للآخرين حواجز وعدم تخطي حدودهم ويشعرون بأنه حازم ولا يقبل الإساءة. ولا بد من التحلي بالثقة الكافية التي تمكنه من أن يوقف التفكير بالإساءة لكي يتمكن من نسيانها وتجاوزها، ومع الأيام سوف يجد نفسه قادرا على التحكم بمشاعره وبالتالي نسيان هذه الإساءة، عدم لوم النفس بشكل مرهق والتفكير بالعلاقات التي أساءت كثيرا في محاولة إصلاح المسيء فهي ليست من شأنك، ويجب التأكد بأن مثل هؤلاء الأشخاص لا يتغيرون بسهولة، وإذا تغيروا فإنهم سوف يستنفدون طاقاتك العاطفية والعقلية وربما الجسدية أيضا، ولذلك فإنه من الأفضل ألا تحاول تغييرهم.
فالثقة بالقدرة على تجاوز الإساءة التي تعرض لها الفرد وثقته بتصميمه على هذا الأمر يعطيه دافعا قويا يعينه على النسيان، كما أن الثقة بالنفس تساعد على إبعاد المسيئين وإيقاف أذاهم. وأفضل طريقة لرد الإساءة هي الهجر، الذين لا يقدرون قيمتك ابتعد عنهم، لا تشغل بالك بهم، لا تخالطهم بخير أو شر أحسن الهجر، وكن خلوقا حتى في الخصومة، واجعلهم يحسوا بأنك لم تعد كما كنت.
إذن الفكرة كلها تكمن في أن تحسن التجاوز، لا أتواصل معه، أغير مكانته عندي ولن تصبح كما كانت علاقتي به ولا أعطيه الوقت الذي كنت أعطيه له سابقا، لا أفكر فيه ولا أعطيه اهتماما كما كنت من قبل، اهجره هجرا جميلا لعله يشعر بالندم ويصلح من نفسه.
اضافةتعليق
التعليقات