بكلماتها الغريبة نوعا ما والخارجة من فمها وكأنها ملتفّة بالحزن والاسى... تردد مع كل سؤال تُسأل: كلنا فداء للحسين... كلنا من اجل الحسين...
ملامح الحزن والعزاء كانت بادية عليها بشكل مريب... بحيث خطّت الدموع اوداجا من مقلتيها باتجاه اذنيها.. فتأكدت حينها انها لا تكف عن البكاء حتى وهي نائمة...
استمرت تروي لي كيف ذبح ابنها الصغير اولا ثم تلاه الثاني والثالث والرابع.. حتى وصل الدور لزوجها الذي لم يكن بيده فعل اي شيء سوى البكاء على اولاده خلال تلك الدقائق القليلة قبل قتله...
اسدلت عباءتها على وجهها واقفلتها بمسكة قوية من يدها المرتعشة... لكنها وان خبّأت دمعها لا يمكنها ان تخبّأ صوت قلبها الذي يخرج من فيها وكأنه الرعد بقوة ايقاعه وجلبته..
هدأت قليلا ففتحت عباءتها رويدا رويدا.. لينكشف لي وجهها وكأنه قد غسل بشلال من الماء..
بمنديلها المتهرئ مسحت دموعها المنسابة.. واكملت حديثها قائلة:
عندما وجدت اقماري تنطفئ وشمس بيتي غابت معهم...
تذكرت حينها واقعة الطف وما جرى على سيدتي ومولاتي زينب في ذلك الوقت.. وما جرى على ام البنين عندما سمعت بأن اولادها استشهدوا مع الحسين عليه السلام... عدت بذاكرتي الى موقف هاتين الامرأتين العظيمتين على اختلاف المكان والزمان.
جالت عيني حول اليتامى و النساء.. فقلت لهن لسنا اسوء حالا من سبايا الحسين ولسنا اعز واشرف نسبا واطهر سلالة من تلك السلالة الطاهرة..
وان يكن ما جرى عصيبا لكن لا يوم كيومك يا ابا عبد الله..
وبين ذلك العويل والبكاء... استطعت ان امدد بالدعم لأربع عوائل اصبحوا بين لحظة واخرى ارامل وايتام بعد ان كانوا يستظلون بظل ازواجهم..
وعدتهم حينها بأني سأخلصهم من أيدي داعش بإذن الله ولو كلف ذلك ان اُقتل.. وهل لحياتي معنى بعد ان فقدت زوجي واولادي قرة عيني.. وبتّ لا اقوى على فعل أي شيء.. فما ألم بي كسر ظهري.. واصبحت بعده لا حول لي و لا قوة..
ايام عصيبة بدأت بذلك اليوم ولم تنتهِ، ابتدأت من فقد الاحبة... ثم التهجير الى المجهول، يتغلغل ذلك جوع وعطش وقلة نوم وعدم راحة وخوف من كل شيء فما جرى امام اعيننا لم يكن بالأمر السهل... والندم اخذ مني مأخذه لأني لم استطع انقاذهم.. فاذرعي التي حملتهم وحمتهم منذ ان ولدوا لم تستطع ان تدافع عنهم وهي ترى ذلك المنظر، ولساني الذي لم يكف يوما عن سرد الروايات والقصص صغيرها وكبيرها عجز عن ان ينطق بكلمة واحدة وانا اراهم يذبحون من الوريد الى الوريد.
لم يكن لدينا خيار سوى ان نتوجه اما الى كربلاء او الى النجف حيث تشهد هاتين المدينتين استقرارا امني، لكننا بعد التوكل على الله اخترنا التوجه لكربلاء.... وصلنا الى ارض كربلاء المقدسة ولم نكن نملك لا مال ولا طعام ولا سقف يأوينا انا واربع عوائل اخرى جردتهم يد الظالمين من حاميهم.. لكن يد الخير امتدت نحونا من كل حدب وصوب فقدموا لنا المأكل والملبس والمأوى.. وأمدونا بما نحتاجه لكي نشعر بالأمان والراحة.
انظر الى عائلتي المتكونة من تسعة عشر فردا موزعين بين ارملة وطفل اصبحوا بين لحظة واخرى بلا اب وبلا معيل... سرق الفرح من بينهم.. وسرق مني عمري بالكامل، لكن وان يكن ما اصبحنا فيه امرا ليس بهين لكن لا يوجد مصاب اعظم من مصيبة الحسين واهل بيته عليهم السلام.
اضافةتعليق
التعليقات