أمـر كل يوم على نفس المقهى لأبدأ صـبـاحـي بـقـهـوتي المفضلة التي تعودت أن يعـدها لي صـانع قهـوة خلوق اسـمـه «مارك»، وهو أكثر شخص يرحب بي ويبتسم ويختم قهوتي بقلب، فهو يستمتع بعمله ويحب أن يسعد الجميع، ومع الأيام بدأت أرى تعابير وجهه تتغير، فأرى الجـمـود والحزن فيها، وتوقف عن رسم القلوب على طلبات الزبائن، فسألته عن حاله والسبب الذي جعله يتوقف عن صنع القهوة كما كان يحب، فكان رده «قلبي مكـسـور، لـم يـعـد بإمكاني رسـم الـقـلـوب للناس»، فقلت له: «إن اهتمامك بالزبائن وتفاصيل قهوتهم، يسعدهم ويفرح قلوبهم، وكلما حاولت إسعاد قلوب الناس، سوف يبدأ قلبك بالتحسن من جديد».
ويبدو أن كلامي أقنعه نوعاً ما، فـفـي الـيـوم الـتـالـي رأيـتـه يعـود للحـال الذي تعودنا عليـه، وعندمـا مـررت عليـه بعـدها بفترة: كان يناديني سعيداً، ليبشرني أنه عائد لوطنه، فالحزن الذي كان يعتريه كان بسبب عدم رضاه عن وظيفته وشـوقـه لـعـائـلـتـه وأصدقائه في الفلبين، عاد «مارك» لبلده، وفرحت كثيراً لأجله.
ما أريد قولـه الـيـوم، هو أن لكل شخص تفاصيل صغيرة يفعلها عندما يكون سعيداً، ويتعود الناس عليها، ولكن عندما تمر عليه أيام صعبة وأشياء تشغل باله، تبدأ اللمعة في عينيه بالانطفاء، قبل أن ينطفئ كل ما كان يفعله ويحبه وأنا متأكدة أنكم مثلي، تملكون أشخاصاً في حياتكم من أفراد عائلة أو أصدقاء أو زملاء في العمل، يشتهرون بفعل أشياء مختلفة تميزهم عن غيرهم، فهناك الصديق الذي يحب الجري صباحاً، وهناك الزميل الذي يدخل لينشـر ابـتـسـامـتـه وطاقته الإيجابية على الجميع، وهناك المسؤول المتحمس الذي يعرف كيف يحفز فريقه للإنجاز، وهناك قريب تعرفون أنه يحب أن يخرج يومياً للاستمتاع بالحياة والفعاليات الجميلة، وغيرهم الكثير كل هؤلاء ينفضح حزنهم عنـدمـا يـتـوقـفـون عـن فـعـل مـا تعودنا على رؤيته منهم، فمهما قالوا «إنهم بخير»، عيونهم تقول لنا الحقيقة وتصدق معنا، وكأنها تستنجد بنا لمساعدتهم للعـودة لما كانوا عليه، ولو كانوا ظاهرياً يريدون الاخـتـبـاء عن العالم وألا يسألهم أحد عما يحصل لهم.
ركزوا على تفـاصيـل أحـبـائكم وزملائكم، وابـحـثـوا عن الشيء المفـقـود فـيـهـم، لا تسألوهم عن كل التفاصيل التي لا يريدون مشاركتها، ولكن أخبروهم أنه لا بأس بأن يقولوا إنهم «ليسوا بخير» احتضنوهم بكلماتكم وحبكم وكونوا قوة لهم، وذكروهم بكل الأشياء العظيمة التي فعلوها وتحبونها فيهم، فالإنسان عندما يمر بمرحلة اكتئاب مؤقتة، ينسى كل هذا، ويحتاج من يمسك بيديه ويذكره بأجمل ما فـيـه! حتى يقف على قدميه من جديد، ويعود للحياة والأشياء التي يحبها.
اضافةتعليق
التعليقات