إننا في زمان تترقب فيه عيون الباحثين التطور العلمي الحديث في العالم، وقد وصلت حركة التغطية الإعلامية فيه إلى سرعة تكاد تكون أسرع من طرفة عين وخطفـة بـرق، وفي ظـل أحـوال كـهـذه لم تكـن النشاطات الدينية والطقوس المذهبية لمختلف الأديان تخفى على أنظار الباحثين الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى، بل إنهم يضعونها تحت مجهر التحقيق، ويدرسون جزئياتها بدقة وعمق.
وتعتبر مجالس عزاء سيد الشهداء الإمام الحسين مـن أهـم الشعائر لدى الشيعة، وقد أخذت مجالاً واسعاً مما لا نظير له على هذه البسيطة، فتراهم يهتمون بها اهتماماً بالغاً، وفي غاية الحب والشوق، ولا يضيعون أدنى فرصة من أجل أدائها، فهم يقيمون مراسيم العـزاء على الدوام، وخاصة في أيام عاشوراء، وتمر السنين تلو السنين وهـم يسعون أن تكـون هـذه الـسنة أكثر حيويـة وحماسـاً مـن سـابقتها.
فيطعمون الطعام، ويبذلون الأموال، ويهتمون بكيفيـة أداء المراسيم بشكل وآخر، وتراهم يزدادون توفيقاً إلى توفيقهم في هـذا الطريق، وتـرى النـاس بمختلـف أديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم العقائدية يتأثرون بهذه المراسيم، وتنالهم بركاتها كل علـى قـدر إنائـه وخلـوص نيته.
فمن هنا أخذت التساؤلات تدور في أذهان الناظرين إلـى هـذا الاستعراض السنوي العظيم، فكثيراً ما يستفهمون عن سبب تكـريـم واقعة عاشوراء سنوياً، وعن حقيقتها وماهيتها، وسرها الذي جعلهـا بهذا المستوى الرفيع من الاهتمام والالتفات إليها، فيسألون: ألم تحدث على مر التاريخ ـ وخاصـة تـاريخ الإسلام والتشيع ـ واقعة غير واقعة عاشوراء تثير الاهتمام؟!. ويسألون: لم لا تخمد جمرة واقعة عاشوراء غبار السنين والقـرون التي مضت عليها، بل إنها تزداد حرارة وحماساً في كل عام؟!. ففي مقام الإجابـة عـن هـذه التساؤلات نقول: إننا لو قمنا بالبحث والتحقيق عن واقعة عاشوراء، لوجدناها تحتوي على حقائق تفتقر إليها الحوادث التاريخية الأخرى، وليس لتلك الحوادث أي حظ منها ولا نصيب؛ ولهذا لابد في البحث عن كل حدث تاريخي من أن يؤخذ فيه ركنان بنظر الاعتبار:
الركن الأول: الشخصية الرئيسة في الواقعة.
الركن الثاني: الزمان والمكان والأحوال التي تحيط بالواقعة.
فمن الجلي والواضح أن قتل شخصية مهمة في المجتمع يختلـف اختلافاً شاسعاً عن قتل إنسان اعتيادي، وبالتبع تختلـف نسبة التأثير الذي ينتج من هذه الواقعة، هذا من جهة، ومن جهـة أخـرى تختلـف نسبة دوام الحادثة وخلودها وتطورها بحسب الزمان والمكـان الـذي تقع فيه، وبحسب الأحوال السياسية والاجتماعية التي تحيط بها. فعلى سبيل المثال: أننا نرى حوادث جمة تعرض للناس الاعتياديين، ولكنهـا لا تذكر، ولا تثير الانتباه، في حين أنـه لـو حـدثـت نـفـس الواقعة لشخصية سياسية أو اجتماعيـة أو مذهبية، لانتشر خبرهـا في العـالم بسرعة فائقة، عـبر محطات الإذاعة والتلفاز، ومـن خـلال الجرائد والصحف والمجلات، وتأخذ حيزاً واسعاً مـن الإعـلام الخبري، وتختص وكالات الأنباء بتغطيتها في نطاق واسع. فلا ينبغي لنا أن نغفل عن شخصية واقعة كربلاء الرئيسة؛ فإنـه إضافة إلى كونه سبط نبي الإسلام، تتجلى فيه حقائق الكون بأجمعه، فمن خلال التحقيق والبحث عـن الأحوال الزمانية والمكانيـة التـي أحاطت بالإمام الحسين، يتضح جلياً لكل من كان له قلـب سـليم أن الجيش الذي اصطف أمامه يريد قتله، يمثل الشر والشقاء بشتى أنواعه، ويجسّد قمة القسوة الشنيعة والحقد الدفين والغيظ المقيت.
فهناك حقائق لاشـك في مدى أهميتهـا، وقد أراد الله تعالى أن تتجلى عملياً؛ لتكون أسوة للجميع، كمفهوم الصبر، فمما لا شك في أنه حقيقة يتفق الجميع على الاعتقاد بها وغيرها من مجموعة من المفاهيم التي جسدتها واقعة الطف عملياً وأصبحت أنموذجاً يُقتدى به.
اضافةتعليق
التعليقات