حاولت كثيرا أن تكون كاملا. ولكـنك قد عشت بهذه النزعة فترة كافية، والضغط الناتج عنها لكي تعلم أنها تثقل كاهلك، وبالمفارقة أنها تضايق غالباً الـنـاس مـن حولـك، وقد لا تتفهم تماماً سبب اتخاذك لهذه النزعة الكمالية ، أو لا ترى أنها سيئة تماماً ، ولكنك على الأرجح تعلم أنك ستستريح إذا توقفت عن ممارستها .
فهم النزعة إلى الكمال على أنها نزعة اجتماعية لكي تتوصل إلى التخلي عن النزعة إلى الكمال ، ينبغي علينا أن نعلم أنــا اجتماعـيون بطبيعتنا ، وأن هذه النزعة هي مسألة اجتماعية ،
ونحن اجتماعيون لأننا نستطيع إظهار جوانب هامة من شخصياتنا فقط من خلال العلاقة بالآخرين .
نعم نحن شخصیات فردية ، ولكننا لا يمكـن أن نكون أصحاء إذا انعزلنا عن الآخرين . والنفس الصحيحة الحقيقية هي النفس المندمجة في الجماعة . وأن تـرى نفسـك كفـرد في جماعة يعني أن تدرك أن أفضل لحظـاتك هي في الانسجام مع الآخرين ، كالعمل في فريق ، أو لعب الرياضات الجماعية ، أو الأداء في مسرحية ، أو قرائة كتاب كتبه شخص آخر ، أو الذهاب في رحلة خلوية ، أو الاشتراك في الحفلات ، وبوصـفـك فـرد تستطيع تجربة ، أو إنجاز شيء لذاتك ، لا لمجرد الرضـا الذاتـي ، ولكن لكي يأخذ هذا الشيء معنى كاملاً ينبغي أن تشرك الآخرين فيه ، فلتقف بنشوة أمام أجمل مشهد غروب رأيته في حــياتك فتجد نفسك مضطراً لأن تحكي عنه لعائلتك ، وأصدقائك . ولتكسـب جـائـزة ، أو تنجز أكبر مبيعات في العام.
ولكن إذا لم يسمع الاقربون لديك بكل ذلك فستشعر بالوحدة وبالنقص ، وحتى بأنك مخدوع . ونحـن أيضـا إجتماعيون في أننا نتأثر بالآخرين فأنت عبارة عـن مجمـوع ديناميكـي مؤلف من جميع من لامسوا حياتك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سلباً ، أو إيجابا . وسواء كانوا أحياءاً أم أمواتاً فهـم يسكنون داخلك بتأثيرهم المستمر عليك ، ومن خلال ذكرياتك الشعورية ، واللاشعورية عنهم .
ونحن إجتماعيون أيضا في أننا لا نصنع أنفسنا ، لقد كانت أسرنا ، وأصدقاؤنا ، والعالم بشكل أوسع هم من علمونا أن نصبح نفكر ، ونبدع ، ونستخدم اللغة ، وننمي مهاراتنا المحلية كأفراد في المجتمع ، وهـم أيضاً من أعطونا المعايير التي سنستمر في استخدامها للحكـم علـى المبادئ الإنسانية ، والسلوكيات ، والإنجازات ، ولولا هذه المعايير لما استطعنا أن ندرك ما ينبغي علينا أن نتوقعه من أنفسنا . ومـن هـنـا تنشـأ النزعة إلى الكمال : فنحن نجتهد لكي نكون كامليـن لنفي بالمعايير التي وضعها لنا الأخرون ، والأخرون هم كل مـن هـؤلاء الذيـن يمكنونا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهم ، وهؤلاء الذين يسكنون بداخلنا من خلال تأثيرهم علينا ، وهؤلاء الذين ترتبط بـهـم بـطـريقة لا فرار منها بوصفهم بشر . وفي النهاية فإن محاولـة أن نكـون كاملين هي محاولة اجتماعية لا شعورية لإرضاء أنفسنا عن طريق إرضاء أولئك الآخرين.
نزعة الكمال والقبول الاجتماعي
إن القوة الإجتماعية التي تقود نزعاتنا إلى الكمال ، وبالتالي القوة التي يجب أن تتغلب عليها ، وتحولها لنتحرر منها ، هي حاجتنا العميقة لنكون مقبولين ، ولأننا تدربنا على أن نكون لطفاء فإن هذه الحاجة تسيطر على كل لحظة من وعينا ، مما يجعلنا نعمل كل شيء تقريباً.
يخبرنا علماء النفس أن الآباء يلعبون الدور الأساسي في إعطائنا القـوة الدافعة نحو القبول الاجتماعي من خلال نمط سيطرتهم علينا . ليس المهم لدينا كيف عاملونا ؟ أو كيف كانوا متشددين حيال عنفواننا.
يبقى دورهم حتى وإن كانوا فارقوا الحياة ، ولربما كان سعينا الدؤوب نحو القبول الاجتماعي ليس إلا مجرد محاولة منا أن نستعيد تلك العلاقة التي شعرنا بها في أحضانهم إيان طفولتنا ، إن تلك العلاقة الحميمة قد تدفعنا للارتباط باحد آبائنا أو مدرسينا أو مدربينا ، أو العـم المفضل لدينا ، ولعلنا ننجز شيئا ما حرصا منا على استعادة تلك المشاعر ، وعلى الجانب الآخر إذا كانت ذكريات الطفولة تدور حول السخرية والرفض ، أو حتى التوقعات غير الواقعية والنقد لنا ، فقـد نـحـاول أن نمحو الألم المرير الدفين في هذه الذكريات وأن نجد القبول الصافي الذي لم نتمتع به أبداً .
وسواء كـان تاريخنا في الطفولة إيجابيا أم سلبيا ، فإننا جميعاً لديـنـا حـاجـة إنسانية أساسية لنعلم أننا مقبولين كأناس صالحين ، قلقاً وللأسـف فـإن هذه الرغبة الطبيعية ، والتي تنشأ من طبيعة علاقاتنا كأنـاس إجتماعييـن ، عمقها وشوهها مرائنا على أن نكون لطفاء ، ونتيجة لذلـك تجتمع هذه القوى المسيطرة ، وهي الطبع واللطافة ، لتوجد بداخلنا يجعلنا ننزع إلى الكمالية ، وإلى التفكير كالتالي : لو استطعت فقـط أن أرضـي أولئك الذين أحبهم ، فسوف يتقبلونني ، وسأكون سعيداً .
والرغبة في حيازة القبول طبيعية ، ومفهومة ، ولكن مراننا على أن نكـون لطفاء جعلنا نعتقد أنه لكي نحوز القبول يجب ألا ندخر أي جهد في التأثير على الأشخاص المهمين بالنسبة لنا ، ونحن نحمل في أذهاننا صورة ذلك الشخص الرائع غير محدود العطاء والذي نعتقد أن المجتمع ، وآباءنا أخبرونا أن نكون مثله لكي نحرز القبول والنجاح ، ولذلـك فنحن نعمل بلا كلل لكي نثبت أنفسنا باستمرار لهم لنضمن القبول . وفي النهاية ، فالالتزام بهذا الحي النسيم أخطر.
لا يتوقف الـنـاس اللطفـاء عن مناقشة حقيقة أن النزعة إلى الكمال
تتصف بالآتي :
• إنها محاولة حمقاء ، وعقيمة لفعل المستحيل .
• ينتج عنها قلق مفرط ، وتحول توترنا إلى محنة.
• تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطأ ما .
• تجعلنا نضيع الوقت ، والجهد الثمينين .
• تعوق تقدم علاقات الصداقة الحميمة .
• تجعلنا نستاء من أولئك الذين نحاول جاهدين إرضائهم .
• قد تؤدي إلى عدد من الأمراض التي تهدد حياتنا .
• تؤدي بنا إلى الإفراط الذي لا يشبعنا أبداً.
• تجعلنا نشعر بالغباء ، ونصبح لوامين لأنفسنا بطريقة مستبدة.
• تسمح للآخرين بإدارة شئوننا ، وهذا فيه ظلم لهم ولنا .
وهذه النقطة الأخيرة يجب التأكيد عليها .
فإدارة حياتنا ليست من شأن الآخرين ، ولكنها ميزة لنا وعبء علينا في آن واحد .
وبينما من المناسـب أن يضع المجتمع المعايير السلوكية ، ويعبر الآخرون عن آرائهم فليس من الملائم لنا أن نسمح لهم بتحديد حياتنا . وعندما نجعل الآخرين يتحكمون فينا تحت تهديد عدم القبول ، والرفض ، فإننا بذلك نكون قد فقدنا جزءا كبيراً من المستحيل علينا الدخول في علاقات صادقة ولكن لكي نكون واضحين في هذه النقطة نؤكد على أنه ليس من الخطـا أن تستخدم معاييرك الشخصية ، أو معايير المجتمع لتحقيق الامتياز ، والسعي نحوه.
ومحاولة الوصول إلى الكمال تكون خطأ فقط في الحالات الآتية:
• عندما تستغرق في الحفاظ على صورتك سليمة أمام المجتمع.
• عندما لا تكون مستعدا أو مؤهلا للقيام بما يتوقعه منك الآخرون. عندما تملى عليك هذه النزعة الطريقة التي تؤدي بها كل الأشياء ما تدفعك نزعتك إلى الكمال
اضافةتعليق
التعليقات