حين بدأ علم البرمجة اللغوية العصبية، يشق طريقه إلى العالم، شرع علماؤه بإحياء قانون منسي في العالم، ألا وهو "قانون الجذب" الذي استعمله المصريون القدامى واليونانيون في حياتهم اليومية.
ويصر علماء البرمجة اللغوية العصبية على أن جميع من أنجزوا شيئا مهما في حياتهم، أو بلغوا مستويات عالية من النجاح، قد طبقوا هذا القانون في حياتهم بشكل أو بآخر.
ينص قانون الجذب الفكري على أن مجريات حياتنا اليومية، أو ما توصلنا إليه إلى الآن هو ناتج لأفكارنا في الماضي، وأن أفكارنا الحالية هي التي تصنع مستقبلنا، لأن قوة أفكار المرء لها خاصية جذب كبيرة جدا.
ويعتبر قانون الجذب توافقا لنظام معتقداتنا وأفعالنا ومشاعرنا ونوايانا، من خلال التكرار المرئي أو اللفظي، حيث يخلق دماغنا مسارات عصبية جديدة، فنظامنا العصبي مبرمج، لمواءمة عالمنا الخارجي مع حالتنا الداخلية.
"المرونة العصبية"
اكتشف العلماء العاملون في مركز ويلكوم ترست للتصوير العصبي في معهد طب الأعصاب في لندن، أن الأشخاص الذين يتصورون مستقبلًا أفضل، هم أكثر عرضة ليكونوا قادرين على خلق هذا المستقبل ونقله إلى حيز الوجود.
إن القدرة على بناء سيناريو افتراضي في خيال المرء قبل حدوثه في الواقع، قد يوفر قدرًا أكبر من الدقة في التنبؤ بنتائجه النهائية.
من جهة أخرى، تؤكد الأبحاث النفسية في جامعة إكستر أن الأشخاص الإيجابيين والمتفائلين يجذبون الآخرين إليهم، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يؤمنون بهم وبقضيتهم، زادت فرصهم في تحويل أحلامهم الكبيرة إلى حقيقة.
لهذا يدعم علماء النفس استخدام التأكيدات الإيجابية، كأداة رئيسية في ترسانة قانون الجذب. فقد وجدوا أن الأشخاص الذين يخبرون أنفسهم باستمرار، أنهم قادرون على تحقيق هدف ما، هم أكثر قدرة على تأمين نتيجة إيجابية.
وبالتالي، فإن جزءا مهما في قانون الجذب، يتمثل في تعلم كيفية أن تكون شخصًا منفتحًا وسعيدًا، يهتز على وتيرة عالية، وذلك يؤدي إلى استجابة إيجابية لدى الآخرين، عن طريق الخلايا العصبية المرآتية وهي الخلايا العصبية التي "تعكس" السلوك الذي نلاحظه.
عندما يرانا شخص ما نشع بالإيجابية، تنعكس هذه الاستجابة نفسها في دماغ المراقب، وعلى العكس إننا نحرض مشاعر الخوف والقلق لدى الآخرين إذا كنا أنفسنا خائفين أو قلقين!
تفعيل قانون الجذب
هناك بعض الطرق البسيطة التي يمكننا من خلالها ممارسة هذا المفهوم القوي لقانون الجذب، لرؤية التغييرات في حياتنا من أهمها:
كن في حالة امتنان
يعد الامتنان مكبرا للطاقة يضعنا في حالة تجل قوية، ومفتاح ذلك ممارسة الامتنان للأحداث والأشياء التي تشعرنا بالرضا والامتنان لها، وذلك بتدوينها كل يوم أو تذكرها بضع دقائق قبل النوم.
التصور والخيال
قال أينشتاين، "الخيال هو كل شيء، إنه معاينة عوامل الجذب القادمة في الحياة"، يجب أن يكون التخيل واقعيًا لدرجة أننا يجب أن نشعر وكأن الحدث نعيشه في تلك اللحظة نفسها، ونشعر بالحدة العاطفية والعقلية لحدوثه.
نم في سلام واستيقظ سعيدا
يستهلك عقلنا كميات كبيرة من الطاقة في النهار، بينما ينظف دماغنا نفسه أثناء النوم، عن طريق تنظيف النفايات، التي تطفو حوله، وهي في الغالب بروتين متبقي، يمكن أن يشكل كتلًا سامة لدماغنا، إذا لم تتم معالجتها وغسلها من خلال نظامنا اللمفاوي، يؤدي تراكم النفايات إلى "ضباب الدماغ".
إضاءة منطقة السلام في عقلك
الممارسات التي تساعدنا على إنتاج الأوكسيتوسين في جسمنا، مفيدة جدا للحصول على نوع من السلام الداخلي، مثل العناق، التأمل اليقظ، الحركة والرقص، والبهجة، وكلها تساعد على تسريع عملية الجذب لما نريده.
إن وجود أهداف واضحة يمكننا تصورها، تساعدنا على تحديد النوايا الصحيحة، ثم وضع نقاط انطلاق قابلة للتحقيق، أمر ضروري لتحويل أحلامنا إلى حقيقة، حيث يكون من السهل أن نحقق النجاح. عندما نرفع ذبذباتنا لتشابه ذبذبات أهدافنا. حسب سكاي نيوز
هل تعالج طاقة "قانون الجذب" الأمراض؟
هل تريد خفض وزنك بلا جهد، الأمر سهل، عليك فقط أن تتخيّل أنك ذو وزن مثالي والتسليم بأن ذلك سوف يحدث، والأمر كذلك ينطبق على التعافي من السرطان أو الشلل.
هذا بعض ما تطرحه روندا بايرن في كتابها الأشهر "السر"، الذي صدر في 2006 مع فيلم بالعنوان نفسه، ومؤيدوها. وما زال هذا الكتاب إلى الآن واحدا من أكثر الكتب مبيعا، خاصة مع دفعة غاية في الأهمية تلقاها من أوبرا وينفري الإعلامية الشهيرة.
ويروج الكتاب لفكرة -لم تكن جديدة وقتها- تسمى بـ"قانون الجذب"، وتعني أن الأشياء المتشابهة تتجاذب، فحينما تملأ عقلك بأفكار سلبية لن تجذب سوى أشياء سلبية، والعكس صحيح، حينما تكون إيجابيا في أفكارك، فإنك تجذب أشياء موجبة تمتلئ بالخير والصحة في مضمونها.
وفي الفيلم تعرض بايرن شهادات لمرضى تعافوا باستخدام قانون الجذب. فهل هذا الكلام منطقي وصحي؟
في الحقيقة فإن الادعاءات المذكورة في كتاب "السر" على الصعيد الصحي، وغيره من الصعد، ليست إلا ترويجا للعلم الزائف، حيث لا يقع المؤلف فقط في خطأ إساءة استخدام، وليّ عنق، نظريات علمية في سبيل دعم فكرته، بل أيضا هو لا يفهم المعنى العلمي الحقيقي المقصود من جزئية ما ولا يهتم بالتعمق في فهمها فيخطئ في عرضها.
هراء باسم العلم
خذ -مثلا- ذلك الادعاء القائل في الكتاب إن "العلم قد أثبت أن المشاعر الإيجابية أقوى بكثير من المشاعر السلبية"، في الحقيقة لا نعرف أساسا واضحا لهذا الادعاء، ما نعرفه هو أن البحث العلمي في هذا النطاق يواجه أزمة في شرح أسباب أن الآثار النفسية أكثر عمقا للأحداث السلبية في حياتنا عن الإيجابية.
أضف إلى ذلك أن المشاعر السلبية أكثر تميزا من المشاعر الإيجابية، بمعنى أنها أكثر وضوحا، وبالتالي، نمتلك قدرة أكبر على التعبير عنها.
بل لو حاولنا تأمل اللغة الإنجليزية، مثلا، فسنجد أنه على الرغم من احتوائها على كلمات موجبة الطابع بصورة أكبر، فإنه حينما نتحدث عن المشاعر فإن الكلمات سلبية التوجه لها عدد أكبر، ولهذا السبب، مع مجموعة أخرى من الفرضيات، فإن البشر أكثر قابلية لتذكر الأحداث السلبية بمعدلات أكبر من الأحداث الإيجابية في حياتهم.
سوف تجد في الحقيقة الكثير من المناطق في كتاب "السر" التي تعتمد على تلك القفزة مما هو علمي لما هو محض هراء، خذ مثلا الحديث عن تأثير العلاج الوهمي (Placebo) الذي يعني أن بعض الحالات -في بعض الأمراض- قد واجهت تحسنا حينما أعطيناهم أدوية على أنها تعالج أمراضهم، فتحسّنت حالاتهم بدرجات، لكن تلك الأدوية لم تكن بالأصل سوى حبات سكر، أو ادعاء الكتاب أن "العلم يقول" إن الأفكار الموجبة تحسن حالة أصحابها، ثم بعد ذلك يقفز الكتاب من نقاط كتلك، نقاط لها عدد واسع من المحددات والمتغيرات والمحاذير والتي لم يذكرها أحد في الكتاب، إلى كيفية العلاج من الشلل!
وفي جزئه الأخير يشير الكتاب إلى أن مرضى السرطان لا يجب أن يتوقفوا عن العلاج لأن "السر" قد يأخذ بعض الوقت ليتحقق، ولكن هذا يتعارض ويتناقض تماما مع فكرة قانون الجذب التي تقول إن الأمر يحتاج تسليما تاما بأن الشفاء سوف يحدث، لكن ورود ذلك الجزء في الكتاب والوثائقي لم يكن إلا لتحاشي هجمات الأطباء والمؤسسات الرسمية على مؤلفيه بحيث قد يتسبب ذلك في إيقاف كل نشاطهم التجاري بأمر القانون.
نعم، نشاطهم التجاري، إن ما نتحدث عنه ما زال إلى اليوم تجارة رائجة بقيمة مليارات الدولارات، تجارة تتضمن كتبا وسيمينارات ومحاضرات في أرقى الفنادق، وماجستيرات مصغرة، وتمرينات المدربين، ومدربين المدربين، إلى آخر قائمة طويلة لا تنتهي، إنها تجارة تهيئ لك أنه يمكن خفض وزنك بلا جهد، فقط بتخيّل أنك ذو وزن مثالي والتسليم بأن ذلك سوف يحدث.
والكارثة هنا أنك حينما تعد مريضا بالاكتئاب -مثلا- أن جلسات الطاقة، أو قانون الجذب، أو البرمجة اللغوية العصبية تلك، سوف تزيل عنه مرضه، فأنت في المقابل تمنع عنه آليات علاج طبية حقيقية سوف تساعده حقا في التكيف مع حالته أو التخفيف من أثرها، ما بالك بمن ترك علاج السرطان، مثلا، وتوقف للبحث في عوالم الدجل عن أمل بعدما انكسر من طول المحاولة وألم العلاج، هؤلاء البائسون من كل مكان في العالم هم دائما ضحايا دجالي العلوم الزائفة. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات