نعيش حالياً في مجتمع مليء بالضوضاء والقلق.. مزدحم بالمشاكل التي نمر بها كل يوم والضغوط التي لا تنتهي والعالم المليء بالحروب والنزاعات حيث أصبح من الصعب الحصول على السلام الداخلي الذي يحقق السعادة والرضا, وعلى الرغم من ذلك قد يتخيل البعض إن السلام الداخلي شيء مستحيل ولا يمكن تحقيقه إلا عندما تكون الأشياء الخارجية أكثر هدوءاً وأكثر راحة.
على سبيل المثال: عندما تسافر إلى مكان خارج البلد أو عند الحصول على وظيفة مناسبة أو عندما تتزوج, بل قد يعتقد البعض إن السلام الداخلي لا يصله إلا أولئك الذين يمارسون الروحانيات لسنوات طويلة, وكل هذا غير صحيح ! فالأمر ليس بهذا التعقيد حيث يمكن لتغييرات بسيطة في حياتك أن تحدث فرقاً كبيراً بمرور الوقت.
مفهوم السلام الداخلي
يُعرَّف السلام الداخلي بأنَّهُ: حالة السلام التي يعيشها الإنسان مع تكوينه الروحي والعقلي، ومع ما يكفي من فهمه ومعرفته للمحافظة على قوة النفس وثباتها في مواجهة أنواع الضغوطات, فهي حالة اطمئنان وراحة وسكينة من الداخل, وهو شعور بقبول الذات والصدق مع النفس.
أما عن تحقيق السلام، فمن المعروف أنه لا يتأتى بالشعارات أو بصوغ كلمات ينادى بها في اللقاءات والمؤتمرات والكتب، بل هو إيمان حقيقي داخل كل نفس تُدرك حاجتها الماسة إلى تحقيقه. نعم، السلام يبدأ من داخل الإنسان، ثم ينتشر إلى كل من حوله بمعنى أن السلام الخارجي للعالم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلام الداخلي للفرد وعلاقته بذاته وخالقه والآخرين فما أن يتحقق السلام الداخلي للفرد يتحقق معه السلام الأسري والاجتماعي.
كما إن الخطوة الأولى للشعور بالسلام الداخلي والتصالح مع النفس هي الاعتراف بأن هناك العديد من الأشياء في الحياة خارجة عن إرادتنا، وأننا لسنا مثاليين.
خطوات نحو تحقيق السلام الداخلي:
1- ركز على الجانب الروحاني
أهم خطوة لتحقيق السلام الداخلي للفرد والذي يجعل منه إنسانا متصالحا مع ذاته متسامحا مع الآخرين هي تحسين علاقة العبد بربه بحسن عبادته والأنس بقربه والامتنان بممارسة الشكر لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى فكلها تكمن في الرضا والطمأنينة، يقول عز وجل (ألا بذكر الله تطمئن القلوب), رتِّل أو استمع القرآن بهدوءٍ بصوتك، أو بصوت قارئك المفضل, استشعر رحمة الله تعالى بك، كيف ينقذك في كلِّ مرةٍ تقع فيها، اشكره بقلبٍ مطمئن فإن مصدر السلام الحقيقي هو الله.
2- تخلص من سموم وسائل التواصل الإجتماعي
أحد الأسباب التي تعطل السلام الداخلي هي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقوم بمقارنة حياتك بحياة الآخرين, وما ستفشل في إدراكه هو أنه لا أحد ينشر أبدًا اللحظات العادية والسيئة، بل ينشر الناس أفضل لحظاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وليس الأسوأ, وإذا كنت متواجد دائماً على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يتسبب ذلك في قلقك من أنك قد لا تعيش حياة أفضل كباقي الناس. عندما ترى أصدقاءك ومتابعيك ينشرون رحلاتهم وعلاقاتهم ونجاحاتهم، فأنت ستقارن حياتك بحياتهم, وإذا لم تكن حريصاً بما يكفي، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تعطل سلامك الداخلي.
3- تعلم تقنيات التأمل والاسترخاء
حاول أن تستقطع بعض الدقائق من وقتك سواء خلال العمل أو في نهاية اليوم لتأخذ نفساً عميقاً في مكان هادئ وراقب الهواء وهو يدخل رئتيك ثم يخرج وكرره أكثر من مرة حتى تشعر بالاسترخاء وصفاء العقل، حاول ممارسة أي من
(المشي، اليوجا، التأمل، السباحة، أي رياضة تفضلها) لتساعد نفسك على التخلص من الطاقة السلبية ويكون عقلك أكثر تركيزاً وأكثر هدوءاً وصفاء فالتأمل يمنحك استراحة بعيداً عن فوضى أفكارك.
4- التصالح مع الماضي
واجه مخاوفك التي تتهرب منها دوماً، امحُ من ذاكرتك تلك اللحظات التي كانت سبباً في انكسارك وألمك بكتابتها في ورقة أو بالحديث عنها مع شخصٍ قريبٍ منك, بل امحُ كل شيءٍ سلبي من ذاكرتك واحذف كلَّ شيءٍ سلبي من حيات , حاول أن تتقبل ماضيك بما فيه من إخفاقات أو مشاعر سلبية وتعيش الحاضر، لأن التمسك بآلام الماضي والأحقاد قد يولد شعور بالمظلومية ورغبة بالانتقام مما يؤدي إلى استنزاف الجهد وتضيع الكثير من الفرص بسبب عدم التركيز على تفاصيل الحياة, فكلما تقبلت ماضيك بما فيه من أمور سيئة فستفقد هذه الأمور طاقتها السلبية التي تؤثر عليك وتعيش في سلام وهدوء.
5- حافظ على بساطة الأمور
من أهم النصائح لتحقيق السلام النفسي الداخلي أن تحاول جاهداً عدم تضخيم المشاكل وإعطاءها أكثر من حجمها حتى لا تخلق ضغطا نفسيا أكثر من اللازم، فتحقيق السلام الداخلي يسهل عندما تتعامل مع الحياة وقائمة المهام ببساطة, حاول ألا تفعل كل شيء في وقت واحد, يُمكنك أن تفعل كل ما تريد ولكن لا تفعل كل ما تريد في مرة واحدة.
واسأل نفسك عند الأزمات هل من أحد على كوكب الأرض له ظروف أسوء منك الآن؟ وسوف تدرك إن الأمور ليست بالسوء كما تظن وسوف تتغلب عليها.
6- لا تفقد الأمل أبداً
في الحياة قد تخسر حلماً وقد تفقد حلماً وقد تتنازل عن أمنية لكن كن حريصاً على أن لا تفقد الأمل أبداً, فالأمل يجعلك تشعر بالسلام الداخلي, وشعورك بالضغط والقلق يجعلك غير قادر على التفاؤل بينما التمسك بالأمل يجعلك تشعر بأن كل شيء سيكون على ما يرام, حتى إذا كنت تشعر بأن الأمور ليست على ما يرام في الوقت الحالي إلا أن القوة الداخلية لك ستساعدك على العودة مرة أخرى والشعور بالقوة وتذكر قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا( وهذا وعد رباني كفيل بجعلك متيقناً أن القادم أجمل.
7- اخفض سقف توقعاتك من الآخرين
بادر بفعل الخير للجميع ولا تنتظر شيئاً من أحد, لا تقدم عمل وتنتظر ردة الفعل لأن توقعاتك تخصك أنت فقط, فأنت تختلف عن الشخص الذي أمامك مهما كان قربه لك أو معرفته بك, ونحن لا نعيش مع ملائكة بل مع بشر يعتريهم النقص في تصرفاتهم وتعاملاتهم وكل شؤون حياتهم، وتذكر أن تحقيق معادلة التوازن في حياتك مع الآخرين، تتطلب أن ترفع مستوى الاهتمام بعلاقتك مع الله فذلك سيمنحك ثقة كبيرة في نفسك، وستشعر بغنى عن الناس، وعن توقعاتك بهم.
8- اقبل ذاتك ولا تحاول أن تكون شخصا كاملا
قبول الذات أمر حاسم في الوصول إلى السلام الداخلي ، فهو يمكننا من أن نكون بخير مهما كانت الظروف التي نمر بها, عندما ترتكب أخطاء لا تقسو على نفسك وتشعر بالانهزام, لا أحد فينا كامل جميع البشر يخطئون, يمكنك فقط تحفيز نفسك للقيام بعمل أفضل والتغلب على أخطائك إذا رأيت نفسك تفشل في شيء، فهذا لا يعني أن قيمتك ستصبح أقل, قم بكتابة جرد لشخصيتك، اكتب السمات الإيجابية والسمات التي تحتاج إلى تحسينها ثم قم بوضع حد لقبول كل الذي وضعته في هذا الجرد، حتى الأمور التي لست فخورًا بها، فأنت تستحق أن تحب نفسك وقوتك وضعفك وكل ما أنت عليه..
وأخيراً, فإن كل الخسائر يمكن تعويضها، لكن أكبر خسارة لا يمكن أن تعوض هي ضياع السلام الداخلي للنفس وفقدان الأمل في غدٍ مشرق واليأس من رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء, فحين يفقد المرء سلامه الداخلي واطمئنانه وهدوءه النفسي لا يستطيع الاستمتاع بيومه ولا الإنجاز فيه، بل قد يؤثر ذلك في غده أيضاً.
اضافةتعليق
التعليقات