لتغير ما بداخل النفس ينبغي التخلص من العادات السيئة واستبدالها بالعادات الحسنة فالعادة من أشد العوامل المؤثرة في سلوك الإنسان ويقول الدكتور أحمد أمين في كتاب الأخلاق: كثيراً ما يعبرون عن قوة العادة بقولهم (العادة طبيعة ثانية) يعنون بذلك أن لها من القوة ما يقرب من الطبيعة الأولى والطبيعة الأولى هي ما ولد عليه الإنسان وفطر عليه.
فكل انسان خرج في هذا العالم كآلة مجهزة بكثير من العدد عين تبصر وأذن تسمع، ومعدة تهضم وغرائز فطرية وهكذا فهذا الذي ولدنا عليه وورثناه من آبائنا وأجدادنا هو طبيعتنا الأولى، وله سلطان كبير على الإنسان، فلو حاول أن تبصر بأذنه ويسمع بعينه ما استطاع فهو لابد أن يكون خاضعاً لسلطانها.
وما يدخله الإنسان على الطبيعة الأولى من التحسن والتقبيح هو ما يسمى (الطبيعة الثانية) أو العادة ولها كذلك سلطان كبير فالطريق الذي نختطه لأنفسنا في الحياة ونعتاد السير فيه، له من السلطان علينا ما يقرب من سلطان الطبيعة، فنحن أحرار في السنين الأولى من حياتنا لا سلطان للعادة علينا حتى إذا نمونا كان نحو التسعين في المئة من أعمالنا، من لبس وخلع وأكل وشرب ونمط في الكلام والسلام والمشي والمعاملة عادة نعمله بقليل من الفكر والانتباه ويعصب علينا العدول عنه وتصبح حياتنا مجرد تكرير لأفكار وأعمال كسبناها في أول عهدنا بالحياة.
وقوة العادة هي التي تجعل المسنين يرفضون الآراء الجديدة والمستكشفات الحديثة، على حين نرى الأحداث يسرعون في اعتناقها والعمل بها، وذلك لأن المسنين ألفوا نوعاً خاصاً من الآراء واعتادوا السير عليه، حتى صاروا يكرهون ما يخالفه، أما الشبان والأحداث فلم يألفوا نوعا خاصا من الآراء لذلك كانوا على استعداد لقبول ما تقوم البراهين على صحته.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث للطبيب الشهير هارفي (1657 ــ 1578) الذي استكشف الدورة الدموية في الإنسان فقد أعلن استكشافه (1578ــ 1657) وأيده بالبراهين ولكن ظل الأطباء يرفضون القول به نحواً من أربعين سنة، لأنهم اعتادوا أن يفكروا أن لا دورة ورحب بالاستكشاف الأحداث، لمرونتهم وعدم التقيد بالفهم القديم وهذا ما يعلل ما نراه من تمسك العجائز بالقديم والخرافات مع وضوح البراهين على بطلانها.
ولا يخفى أن العادة كما تؤثر في نفس الإنسان بتوجيهه نحو الخير أو الشر كذلك قد تؤثر في تقوية وتنمية مؤثر آخر بحيث يصبح على الإنسان مؤثران في توجيهه نحو الخير أو الشر، وذلك في الخيرات أو الشرور التي يكون لها في نفس البشر عادة دافع خلقي نفسي من الفضائل النفسية أو الرذائل النفسية فمثلا صفة الوفاء تتأصل وتنمو في الإنسان بالتكرار في الالتزام بالوفاء وصفة الجفاء أيضا كذلك فمن عود نفسه على حالة الانتقام أو التشفي، تغلو في نفسه في هذه الحالة ولا يكون الدافع الجديد له بعد ذلك إلا الانتقام والتشفي.
ويؤكد هذه الفكرة ما ورد في بعض النصوص حول ضرورة تغير العادات السلبية بالتظاهر بحالات ايجابية كما ورد في مضمون الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): (إن لم تكن حليماً فتحلم بأنه من عاشر قوماُ أو شك أن يصبح منهم) وهذا ما يجري في الصفات الإيجابية والسلبية على حد سواء فالخير عادة والشر عادة والإنسان الواعي هو من يحاول أن يغير العادات السيئة بعادات حسنة.
اضافةتعليق
التعليقات