اسم الكتاب: الملحمة الإلهية
لـلكاتب: السيد رائف فضل الله
عدد الصفحات: 356 pdf
واقعة كربلاء أعظم معركة تاريخية على مر الدهور والتي رسخت المبادئ الإسلامية والأخلاقية والإنسانية وكُتبت بدماء شهداء الطف الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم دون سيد الشهداء..
يبدأ الكاتب بأسلوبه الروائي بالحديث عن الأحداث التي جمعت رفاق الفداء وهب النصراني ونافع وسعيد وجون وبعد لقائهم في طريق الحجاز أكملوا إلى المدينة المنورة لينقلوا للحسين أن هناك مَن يحيك الخطط لقتله في مدينة جده بأمر من يزيد بن معاوية حينها كان الحسين بالمسجد يصلي الصبح فوقف الرفاق الأربعة يدافعون عنه ضد بعض الملثمين المسلحين وبعد أن أتم الحسين (عليه السلام) صلاته اتجهوا إلى بيته فعرّف كل واحد منهم بنفسه وكان سعيد رسول شيعته من العراق يستغيثونه من الظلم والفقر الذي حل عليهم بسبب الطاغية معاوية وابنه يزيد ووالي الكوفة الجائر النعمان بن بشير الذي يحكمهم فأرسل سعيداً رسولاً له ليخبرهم أنه لم يتخذ قراراً بخصوص الرحيل إلى الكوفة.
فتقرر السفر إلى مكة وأداء الحج كي لا يُقتل في مدينة جده وتُنتهك حرمتها فذهب الحسين وأهل بيته ومحبيه من شيعته إلى مكة لأنهم في مكة لن يقاتلوا وينتهكوا حرمة بيت الله ولكن رغم ذلك حاولوا قتله أيضاً وبقي أصحابه يدافعون عنه.
نعود للكوفة حين وصل سعيد ونافع وأخبرهم بقرار الحسين فأجابوه بأن الحق معه فهو لم يثق بهم بعد فكتبوا له بأن في الكوفة مائة ألف سيف يقاتلون في سبيله وتحت لوائه فأسرع سعيد وهاني لينقلوا رسالة أشراف الكوفة وكبرائها وجدّا السفر وكانا يصلان الليل بالنهار حتى وصلوا مكةَ المكرمة وبعد أن قرأها الحسين واستخار الله فتقرر الرحيل إلى العراق بعد أداء فريضة الحج وبأنه باعث ابن عمه وثقته مسلم بن عقيل ليهيئ ناصري الحسين وأشياعه لقدومه.
وما إن وصل مسلم إلى الكوفة حتى انتشر خبر وصوله كانتشار النور في الظلمة رغم محاولات التكتم على وجوده في الكوفة فأخذ المؤيدون بالعمل الفوري وأصبحوا يجتمعون وينتقون مندوبين لمحادثة مسلم ولم تمض أيام حتى بلغ المبايعون ثمانية عشر ألف لكن ينقصهم المال والسلاح فكتب مسلم برسالة للحسين (عليه السلام) يبشره بذلك وأرسلها بيد عابس بن شبيب الشاكري وشوذب حليف يعجله بالمجيء.
ويعد أيام من وصول مسلم وّلي عبيد الله بن زياد والياً للكوفة ومعه مال كثير فقد أفرغ خزينتي الشام والبصرة وجاء ليرشوا الناس بها ليحاربوا ضد الحسين عليه السلام فاتخذ ابن زياد رجلاً يدعى معقل ليأخذ مالاً ويقول بأنه من أهل الشام وأن هذا المال لتمويل الثورة ضد ابن زياد فذهب وفعل وعرف أماكن تجمع الشيعة وأسماء قواد الثورة فاعتقل الكثير من القادة إلى سجون تحت الأرض تعج بالسجناء وانتشر خبر الاعتقالات في أنحاء الكوفة وإلى مسلم فلبس لباس الحرب وأمر بنداء الثورة فكان الشعار (يا منصور أمت) حتى ارتجت الكوفة وخرج ممن كان بايع وقد بلغ عددهم خمساً وعشرون ألفاً وقد تقدم موعد الثورة فحُوصر ابن زياد وقد بدا الرعب والخوف يخالجه فأرسل رجاله ليرشوا القوم ويخربوا الثورة لكن ذلك لم يجدِ نفعاً حتى أمر عشرة من رجاله: (خذوا ملابس لجنود أهل الشام وإلبسوها خارج الكوفة ونادوا بأن جيش الشام آتٍ وهو جيش له بداية وليس له نهاية وسيقتل كل من يخل بطاعته ويهدم داره على أهله).
وقد نجح ابن زياد بتبديد حماس الثوار إلى خوف ورعب فالجميع يعلم أن دخول جيش الشام يعني القتل والصلب وهتك الأعراض الخ.. فإذا بالناس ينسحبون أفراداً وجماعات ويدخل كلٌ داره وهو إما خائف أو مرتشٍ.
مع ذلك بقي مسلم يسير بأصحابه يشدد من عزائمهم حتى موعد صلاة المغرب فدخل مسلم وقد أعلن أن الهجوم يبدأ بعد الصلاة وبدأ يصلي وخلفه ثلاثين رجلاً وما إن أنهى صلاته فلم يرَ أحداً منهم حينها عرف ثلاثة أشياء أولها الخيانة ثم الخوف من جيش يزيد ثم الاحتيال والرشوة حتى أصبح به الحال غريباً طريداً يسير في أزقة الكوفة ليس له مأوى.
وبعد أن وصل سعيد ونافع وهاني حتى عرفوا بما حدث وأدركوا أن الحسين في خطر ويجب أن ينقلون ما جرى فتأهب سعيد ورفيقيه وانطلقوا إلى مكة ولم يكونوا هم الوحيدين الذين خرجوا إلى الحسين فكان هناك أيضاً أبو تمام الصائدي وغيرهم من الأنصار..
ألقوا القبض على مسلم بن عقيل بعد أن قاتل قتال المستميت دفاعاً عن نفسه وأُخذ إلى قصر ابن زياد ثم قُتل كما قُتل كثيرين من أتباع الحسين. ثم ألقوا القبض على نافع وهاني وسعيد وزُجوا في سجون مظلمة تحت الأرض في زنزانة ميثم التمار أحد أصحاب أمير المؤمنين والمختار الثقفي لكنهم استطاعوا الخروج وأكملوا طريقهم نحو الحجاز.
في مكة قد قرب موعد الحج والناس يتجهون إليها من كل فجٍ عميق حتى أتى الرفيق أنيس بن معقل الأصبحي من المدينة محذراً أصحاب الحسين بأن يزيد قد ولى أمر الحج لعمرو بن العاص وهو آتٍ بجندٍ كثيف ليناجز الحسين ويقاتله إن استطاع بأمر الطاغية يزيد. فصُدم الجميع أيقاتلوا الحسين وفي بيت الله بموسم الحج؟؟ فقرر الأصحاب الاقتسام إلى فرق كل فرقة مكونة من عشرة مسلحين لا يفارقوا الحسين لكن الحسين قال لهم (يا أصحابي البررة لا قتال في مكة) فنزعوا أسلحتهم واستبدلوها بالسياط تحسباً لأي خطر..
وفي اليوم التالي وصل شوذب وعابس بن شبيب يحملان رسالة مسلم بأن الكوفة مهيئة لمجيئه بعد أن قرأها الحسين تقرر السفر إلى الكوفة بعد أداء الحج وأتى الليل والرفاق العشرة يحرسون دار الحسين حتى خرجت أعداد كبيرة من هنا وهناك وصدى أصوات صليل سيوفهم تخرج من أغمادها أخذوا يقتربون فإذا بعشرة سياط ترتفع بسرعة خاطفة وتضربهم وتجندلهم وكثر الرفاق وإذا بسياطهم تلسع الأجساد كالنار حتى لاذ المتآمرين بالفرار.
بدأ الحج لبس الجميع ثياب الإحرام متوجهين إلى بيت الله لأداء المراسيم فإذا بالرفاق تنبهوا لأحد الحجاج وهو يخفي سيفاً تحت إحرامه فاستدرجوه وعلموا منه أن يزيداً انتقى ثلاثين شاباً قوياً سفاكاً أمرهم بقتل الحسين ولو كان معلقاً بأستار الكعبة فهمَّ الأصحاب نحو الحسين ينتشرون حوله يراقبون الناس فكونوا حلقة حوله وهو يصلي بعدما علم الحسين بما يجري حوله قرر أن لا يحج في هذا العام وأن يجعلها عمرة فقط وتقدم موعد السفر إلى الكوفة فانتشر الخبر بين الناس فكانت الوفود تأتي إليه فيخطب بها واعظاً مرشداً هادياً ودخل عليه كثيرون طالبين منه العدول عن السفر وهو يرفض وفي اليوم التالي إعتمر الحسين وأهل بيته وبعد إكماله المراسيم خطب في الناس خطبة تخضع لها القلوب أجمل ما جاء فيها (ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف.. كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) فعم الناس الجزع وضجَّ أكثرهم بالبكاء وختم عليه السلام كلامه (إني راحل مصبحاً إن شاء الله).
في وقت السحر انطلق الحسين وأهل بيته وأصحابه إلى الكوفة حتى وصلوا إلى مكان اسمه ذبالة فأمر الحسين بالتخيم هنا لمدة يومين وفي الليل وصل الفرسان الثلاثة سعيد ونافع وهاني ومعهم رسالة بأن مسلم بن عقيل وبعض أصحابه قُتلوا وخُذلوا ثم وصل بعدهم أبو تمام وحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة بعدها انطلقت قافلة الحسين لتكمل مسيرها حتى التقوا بجيش الحر الذي وازاه بمسيره حتى بدأ بالتضييق عليه في نينوى بأمر ابن زياد وأكمل الحسين طريقه متجاهلاً الحر إلى أرض كربلاء فجال بصره بهذه الربوع المقفرة الموحشة فنزل الحسين بها في الثاني من محرم الحرام وسار إليه عمر بن سعد بعشرين ألف رجل وفي السادس من محرم قطعوا الماء على أهل البيت ووضعوا خمسة آلاف فارس يحرسون الفرات حتى أهلك العطش الأطفال والنساء والحسين وأصحابه.
وفي التاسع من محرم جرت معركة فطحنت بالأعداء طحنا فكان الأصحاب يضربون ويقتلون وكان العباس يقاتل ببطولة وشهامة ليس لها مثيل فكانت خسائر العدو كثيرة جداً جداً بين قتيلٍ وجريح وبذلك انتهى القتال وفي ليلة العاشر جاء المدد بعشرة آلاف مقاتل دعماً لجيش العدو واستمر الحسين يلقي عليهم الحجج والبراهين بين فيئةٍ وأخرى لكنهم قوم أصموا قلوبهم عن الحق وأُعميت بصيرتهم فضلوا بطغيانهم.
في العاشر من محرم بدأت معركة شرسة فأخذوا أصحاب الحسين يبطشون بطشاً عنيفاً تُرعب لها القلوب فتراجع الأعداء بعد أن قُتل الكثيرين منهم ثم بدأت المبارزات بين أبطال الحسين فأخذوا يقتلون الأعداء ويجندلوهم ويصرعوهم مجموعات تتلوها أخرى حتى صرخ عمرو بن الحجاج (يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحد).
وبعد أن قُتل ابن رسول الله صريعاً وانطفأ نوره الله في أرضه، ظهر فارس يدعى الهفهاف الراسي المرعب القوي يصرخ أين الحسين؟ حين علم بقتله أخذ يقاتل قتال الأبطال صارخاً بهم (يا قتلة أولاد النبيين يا فجرة يا كفرة) فبدأت معركة لوحدها جيشها هو محبٌ للحسين عاشقٌ له فكان أول سيف يقاتل ثائراً لسيد الشهداء.
وبذلك انتهت الملحمة الإلهية وانتشرت جثث الرفاق الاثنا وسبعون بطلاً وسبعة عشر من شباب أهل البيت في رمضاء كربلاء فنهبوهم وسلبوهم وأخذوا بنات رسول الله سبايا فبدت على السماء مسحة سوداء مظلمة ثم اغبرت فتحولت للون الأحمر حزناً وغضباً للإيمان والدين والحق والاسلام الذي هُتكت حرمته فبقي شيء واحد في ذلك السهل واقفاً يتحرك هو راية الحسين التي بقيت واقفة منذ ذلك اليوم إلى اليوم وحتى قيام القائم والأخذ بثأر الحسين عليه السلام وستبقى صرخة كربلاء هي أعلى صرخة تدوي في جبنات هذا الكون.
اضافةتعليق
التعليقات