كانوا ثلاثة أصدقاء في السابعة عشر من اعمارهم. أحدهم أصبح فيما بعد أستاذاً في الفيزياء النووية والثاني أصبح مديراً لشركة تصنع السيارات. امّا الثالث فقد تركه صاحباه في الثانوية، فقد رسب بالإمتحانات النهائية، بينما نجح زميلاه فيها، والتحقا بالجامعة..
ولم يلتق زميلاه به، إلاّ بعد عشرين عاماً، وتم ذلك بالصدفة، ومن وضعه الظاهر تبين لهما انه يعاني من الفقر والعوز. فثيابه رثّه وشخصيته المهلهلة كانتا توحيان بذلك...
قالا له: أين انت يا هذا؟
قال: أدرس.
قالا: أين؟
قال: في الجامعة.
أية جامعة هذه التي يدرس فيها صاحبهم؟، قال: أدرس بالمراسلة، فقد طردت من معظم الجامعات التي انتسبت إليها.
فسألاه عن السبب. في البداية تردد أن يذكره، ولكنه اضطر الى البوح به. فهو_شأن الكثير من الشباب_ انقلب على نفسه في فترة المراهقة واستسلم للكسل...
وكانت عائلته قد قبلت منه تلك الحالة، فلم تجبره على أن يبذل الكثير من الجهد، فهو سقط مرة ومرتين وثلاثاً، حتى اصبح السقوط، وليس النجاح الحالة الطبيعية له...
الفرق الوحيد بينه وبين أمثاله، هو أن عائلته كانت تتكفله في تلك الفترة، فلم يضطر إلى أن يهيم على وجهه في الشوارع ليحصل على قوت يومه.. كان الرجل واحداً من ألوف الشباب من أمثاله: ضحية من ضحايا الكسل.
الكسل مطية الفشل، كما أن النشاط مطية النجاح. وما من كسول إلا والهزيمة مصيره، فالقدر لا يسوق الحظ إلاّ الى من يستحقه وليس إلى من يضيعه بتكاسله وتماطله.
ولذلك قيل إن عقل الكسول معمل الشيطان. فهناك يخطط إبليس لكل مشاريعه في توقيف الحياة. من هنا قال الامام علي (عليه السلام): "الكسل مفتاح البؤس، به تولدت الفاقة ونتجت الهلكة" (مقال في قول/ص202).
فلا يمشي الكسل في الطريق إلاّ ويلحقه الضياع، ويماشيه العوز، ويصحبه التقاعس. يقول بعض الحكماء: ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه الكسل، وخصومة يخامرها حسد، ومرض يمازجه هرم.
تخيل، مثلاً، أن امامك مهمة ضخمة يستغرق إنجازها ساعات عدة، عد نفسك بأنك حالما تنتهي منها ستستطيع العودة الى التكاسل، وأقنع نفسك بأن الشيء الوحيد الذي يحول دونك واستمتاعك بكسلك هو هذه المهمة بالذات، ثم اهجم عليها وكأنها العدو اللدود، واقضِ عليها وانتزعها من سبيلك، ثم كافىء نفسك بفترة من الكسل تكون آنئذ قد استحققتها عن جدارة.
وبعد أن تنمي في نفسك قدرة التغلب على الكسل واستغلال كامل طاقتك لفترة قصيرة، لن تلبث أن تجد نفسك قادراً على الاستمرار في ذلك لفترات اطول، فالسر هنا يكمن في أن تبدأ أولاً بإيجاد الصلة بينك وبين طاقتك. وما أن يحدث ذلك حتى تكتشف فيها كنزاً لا يفنى ومعيناً لا ينضب.
وإياك أن تنسى أنك إذا ما بدأت عملاً فلابد أن تكمله. فالطاقة تتغذى من ثمرات الإنجاز، وتذبل وتتلاشى بالتباطؤ والتراخي، ولو أن كل الناس استسلموا للكسل لأصبح التردد حاكما على الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات