تمتد جذور الحيرة مبعثرة سمومها في عمق قلوبنا الصغيرة ومع ذلك مازالت ترتسم البسمات على شفاهنا حتى تفتك بنا كأنها تمطر هموما من السماء، والأرض ممتلئة بدمائنا ونحن نغرق فيها يوما بعد يوم حتى أصبح الجو ملوثا بالحقد البشري، نهرب ونقف ونحاول الصمود ولكن الأتربة تتخلل جراحنا ونسقط مرة أخرى.
والآن بالكاد نستطيع التنفس وأفكار الناس ومعتقداتهم وأحكامهم المسبقة، كل تلك الصور المشوهة تصيبهم بالعمى عن رؤية الحقيقة في لحظة ما، ثم إننا نبصر تلك التناقضات، تملأنا دون إدراك منا، مثلا أولئك الأشخاص الذين تعلقنا بهم وبات الحديث معهم هو المغذي الذي نأخذه يوميا ودونه ستصاب أفئدتنا بالجفاف والسقم، بينما في كثير من الأحيان أو عند كثير من الأشخاص نحن مجرد وقت فراغ أو كبديل لوقت الملل، ونحن نعلم ذلك لكن خطأنا الأكبر أننا تعلقنا ولا أعرف ما الفائدة من شيء نهايته واضحة بينما نخبر من حولنا أن يقطعوا علاقاتهم بأولئك الذين لايهتمون بهم ونحن أين من نصائحنا وأيضا بإسم الحب نجد أناس ارتضوا أنفسهم أن يكونوا ممسحة ثم يعزّون أنفسهم بكلمة لاكرامة بين المحبين!.
الأشخاص الذين ينظرون إلينا بنظرة أننا دوما على خطأ لايعلمون أن الاخطاء تملأهم لكننا نحبهم ولانود جرح مشاعرهم، وصديقتي التي تخبرني دوما أنني يجب علي تجاهل الآخرين طالما أنني أثق بخطواتي أصبحت تريد أن تترك دراستها بسبب بعض الأحاديث الكاذبة، وزميلي في الجامعة يدعونا لأن نكون اجتماعيين وهو ليس ضد فكرة الحديث مع الجنس الآخر لكنه منع أخته من الدراسة لأنه لايحب اختلاطها بالآخرين!.
أبي دوما ما يذكرنا بمحاضرة أن المساعدة بين الزوجين مهمة جداً ولكنه لايعرف حتى قلي البيض، أما صديقتي التي دوما ماكانت والدتها تخبرني عن جمال الحب والمسلسلات التي تراها مثالية تود أن تزوج ابنتها لإبن أختها الذي تخرج توا رغما عنها..
يعيش البشر بسلام مع التناقضات بسبب قدرتهم على فصل الأمور عن بعضها البعض وعندما تخرج التصريحات والأفعال والعواطف المتناقضة من صندوقها السياقي فحينها نكون بخير، ربما بشكل جيد جداً في إيجاد مسوغات لتهدئة التنافر المعرفي فمثلاً، عند إشارتي لذلك 'المناصر لحماية البيئة‘ بأن التدخين مضر بالبيئة وليس بالفعل الإيكولوجي، كان رده "أنا أعلم لكنني أدخن السجائر كما لو كانت السجائر الملفوفة أقل سمية من تلك الصناعية ولا تعتمد على الصناعة المدمرة لسوء استخدام التبغ واستغلاله، وهي الصناعة التي يدينها هو بالطبع!.
أو كم هي مصيبة أن نكون محبين للعدل والمساواة لجميع أفراد المجتمع ولكن نجد قضية مثل قيادة المرأة للسيارة يعارضها فئة كبيرة منطلقين من اعتبارات دينية واجتماعية والحل لديهم هو مخالف لكل ذلك، ويبدع الكثيرون في الدروس حول القيم الجميلة لكنهم يركزون اهتمامهم على المظاهر ويحكمون عليك من خلال ماركة حذائك والحي الذي تسكن فيه، وأيضا ننزعج من منظر فتاة متبرجة ولكننا أبدا لاننزعج من رؤية طفل متشرد يتجمد بردا وهو يبيع المناديل، وأيضا مجتمعي العزيز لايطالبك بأن لاتأتي بالسوء، المهم أن لايعرف بذلك الآخرون ولا أيضا يطالبك باحترام ضميرك الشخصي بل يفضل أن تسير مع قافلة والخضوع لرقابة الجماعة، ويمكنك فعل ماتشاء لكن في السر ولايحب المزاح الثقيل لكنه يطعنك بمزاحه.
نحن مجتمع مبني على كل هذه التناقضات فقد قرأت ذات مرة عن قصة جميلة تنص على: (انتقلت عائلة إلى منزل جديد، وبينما هما يتناولان طعام الإفطار في اليوم التالي، قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على حديقة جيرانهما: انظر يا عزيزي، إن غسيل جارتنا ليس نظيفا، لا بد أنها تشتري مسحوقا رخيصا!.
ودأبت المرأة على هذا التعليق في كل مرة ترى غسيل الجارة وذات يوم تفاجأت واندهشت عندما رأت الغسيل نظيفا على الحبل، فقالت لزوجها: وأخيرا، تعلمت جارتنا أصول الغسيل النظيف،
فابتسم الزوج قائلا: لقد نهضت اليوم باكرا، ونظفت زجاج نافذتنا الذي تنظرين من خلاله!.
أنا أجزم أنها لاتتقبل أن يتكلم أحد عليها بأي شكل كان، لكنها تناقض نفسها طالما الموضوع يخص غيرها..
عيوبنا تشوّه صورة أعمال الآخرين فدع الآخرين في شأنهم، وإعمل على إصلاح نفسك وأيضا إترك مزاح لاتحبه لنفسك فمزاحك يلامس جروح البعض، فانتبه أيها الظريف.
قال تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون).
اضافةتعليق
التعليقات