تعترف النفس أحيانا، بتقصيرها في عدة شواهد، وذلك لإحساسها الشديد لاحتياج الفطرة ومجمل أداة التفكر لسطور الغيث، في مختلف مجالات البحث، بيد أن المصادر لم تتخلى عن سطورها ومبتغى جوهر العلم والمعرفة فيها، وقد عمدت ورقها وخط قلمها، ثقافة ومنهج.
في زمن لم يكن الكتاب إلا محطة لا يستغنى عنه عند كل مطب معرفي شاهد على خبره. ومن بواعث اللطف الإلهي، وسفينة الخير والفلاح، ينبعث التكامل ويقابل بأشاراته أبهام النور، ويلتقي مع عباءة القوة وهيبة التوطين في مخيم القيم الثابتة ليربي جيلاً متجدداً تحت شعار: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.
كان يوما مرهونا ، بذبحة الأزمة عندما التقينا بيته الساجد على بساطة الخبز وأديم الكلمة.. كنا ضيوفا، وكان القلب ينبض فرحا وقت ملاقاته.. جمعتنا كلمة التوحيد، حول طاولة البساط ووسادة الترحيب المسالمة لكل فقير..
شجاعا، متفوها، عميق الرؤى ونافذ بصيرة.. لا يتكلم عبثا، ولا يبتدأ هذرا ، ابتسامته ثوبه المتميز بالرفعة والتواضع، أخلاقه درسا يتلطف به حبا لضيوفه..
لم يكن من ذوي الظواهر غير المتمكنة حرفا، بل حذقا شاهرا علمه بلحاظ دفتر وكتاب، استشعرت حينها أني في بيت عظيم، جمعته صفات الهيبة، وعظمة لا مثيل لها..
نظرته للحدث متوازنه الظرف، وخطابه مختصر.. لا يسعني هنا مواكبة الدمعة مع العلم في شخصه.. لأن صياغتي لعمق إدراكه مقصر جدا.
نعم هو الذهول، ربما اغرقتني برهة لقاءه في الانشغال عن تقييمه، كيف لا!! وقد كانت نفسي شاهدة على ضعفي حينها وحرفي مرتبك اللفظ، ولبرهة أجد نفسي في ضيافة السيد المجدد الراحل محمد مهدي الشيرازي قدس سره، إبان الأزمة التي حاصرت بيته وسجنت حريته، وداهمت عمق أفكاره..
سألني، هل لك باعا في الكتابة؟! أو حاولتِ خدمة القلم؟!
أتذكر وقتها أني كنت مذهولة بملاقاته، قريرة العين شاكرة اللسان لله، قلت، الكتاب ربيع، والقلم بديع، إلا أني أفقد الشجاعة لصب العلم في القلم، وأذرف الفكرة في الكلم..
قال لي مع ابتسامته المعهودة وبثقة:
يكفي المشجع هو الله سبحانه..
نعم، كلمات، نفذت حواجز العقل، ومسام الضمير والفؤاد.. لم أفهمها بالشكل المطلوب، إلا أنها اخذت مكانها بيت القلب.
وقال: إن المرأة باستطاعتها أن تصنع المستحيل، وتروي بحبرها أمة، وتحقق بخنصرها كل عظيم وتشارك بكل محفل يكن في خدمة كل جيل..
عليها أن تتقلد حسام زينب، وخطاب فاطمة الزهراء، وتشرب من معين تضحيات أمنا خديجة الكبرى.
قال: إن المرأة كتاب الحاضر، لها عنوانها الخاص، وأسلوبها اليافع، وعاطفة تجمع بها القوة والثبات، والحب والشهادة.
وقال أيضا: إن المرأة رسالة خالدة، لبيتها، وزوجها وأولادها، لأن الذي حباها، اختص فيها قدرة الملاطفة، وجمال المرافقة، وصدق المعاني، عند كل ظرف وزمان..
قال: على المرأة أن تدرك أن هناك متسع الاختلاف في حياة المواجهة، أن تعرف قيمة الوقت، وخدمة المذهب، واحترام الشرع وطاعة أهل العلم والمعرفة.
قال: أن تتعلم من درس الحياة، وترضى لنفسها دورا خلاقا، لبناء أسرتها وفق قواعد أخلاقية متينة.. وإن صعبت عليها شروط العيش، لأن ذلك امتحان لها وبناء لشخصها وديمومية عطاءها، وحفظا لكرامتها وبالتالي يصنع منها القدوة لمثيلاتها في المجتمع.
وأقول: إن المرأة حيز، يكشف عن حجابه ساعة الاختصار والانتظار، تلوذ أمهات البدائل عند مفارقة القلم، وعمق الكتاب، لا تملأ خوابيها إلا عطاء من سحر جمال نفسها وذاتها، وصرختها اتقاد دمعتها نشاطا كما هي وفق نصيحة العظماء من بيت الفداء والكلمة نفحات راضية..
طبت سيدي الراحل الشيرازي العظيم وجميل مآثرك وعبق خطواتك كسيف تجمل بالرحمة، طاب ثراك.
اضافةتعليق
التعليقات