غالبا ما تجد لدى كل شخص ما يهابه؛ فالبعض يخشى العناكب، أو الأماكن المغلقة، أو المرتفعات. عندما نواجه هذه المخاوف، قد تتلاحق ضربات قلوبنا أو تتعرّق أيدينا. وهذا ما يسمى "threat fear response" أو الخوف الناجم عن التهديد، وهو موجود لمساعدتنا على تجنب الألم المحتمل.
يشعر أغلبنا بالخوف عندما يحلّ الخطر فقط. ولكن حين يحدث هذا الخوف الناجم عن التهديد، حتى مع غياب التهديد، فإنّه قد يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو الهلع أو القلق. يمكن أن تُعَالَج هذه الاضطرابات أحيانا باستخدام أسلوب "العلاج بالتعرُّض" (exposure therapy)، ولكن أظهرت دراسة جديدة أن شيئا بسيطا كاستخدامنا لخيالنا قد يساعد الناس على تجاوز الخوف والتغلب عليه.
التغلب على الخوف
تُعَالَج العديد من الاضطرابات المتعلقة بالخوف باستخدام العلاج بالتعرُّض. وهذا يساعد الناس على نسيان الخوف الناجم عن التهديد، وذلك عن طريق كسر الترابط بين "المُحفِّز" (صورة أو صوت يسبب تلك الاستجابة) وبين العواقب المؤذية للتهديد؛ وهذا عن طريق أن يُعرَّض المريض للمُحفز لكن دون أن يُعرَّض للعواقب.
على سبيل المثال، قد يستمع الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة -خلال العلاج- إلى أصوات صاخبة باستخدام السماعات، من دون تعرّض حقيقيّ لمعركة قتالية. في النهاية، يتعلم الشخص الفصلَ بين المُحفز وبين النتيجة المتوقعة من التهديد، وبالتالي يقلّ الخوف الناجم عن التهديد أو ينعدِم تماما.
ومع ذلك، لا يمكن استخدام العلاج بالتعرض دائما، ولا سيما في الحالات التي يكون إعادة التعرض فيها مؤلِما وغيرَ أخلاقي (مثل حالات الاعتداء والأذى). هناك بعض أساليب العلاج الواعدة في التعامل مع اضطرابات الخوف ومعالجتها، مثل الخيال الاسترشادي (إذ يطلب المعالجون من المرضى تكوين صور ذهنية لاستبدال المُحفّزات المادية الملموسة). يسمح الخيال (وهو محاكاة واعية لشيء ما في أذهاننا) للمرضى بالانغماس في منبّهات مُحفِّزة ولكن بطريقة مُحكَمة، وبالوتيرة المناسبة لهم، ولهذا السبب قد يكون نوعا جديدا وواعدا لأساليب العلاج.
كيف تعمل المُخيِّلة؟
إن الخيال محاكاة ذهنية للأحداث والأشياء التي لا تُرى أو تشاهَد في ذات اللحظة. عندما نرى العالم، نبني نسخة ذهنية لما نراه بناء على المعلومات الحسية الواردة أو التجارب السابقة. هذه البيانات والعروض الداخلية قد تغدو ذكرى أو قد تُستخدم لتخيّل سيناريوهات وهمية أو مستقبلية.
يستخدم الخيال مناطقَ في الدماغ مثل القشرة البصرية والقشرة السمعية (التي تُعطي أدمغتنا المعلومات بحسب ما تشهده حواسنا أو ما قد شهدته بالفعل) ومناطق استرجاع الذاكرة مثل الحُصَيْن/الهيبوكامبوس (الذي يساعدنا على استخدام تجارب سابقة للتنبؤ بما قد يحدث بعد ذلك). إنه يستخدم شبكة مشابهة من مناطق الدماغ، تماما مثلما يفعل الإدراك والذاكرة.
الخيال والخوف
عندما نواجه شيئا نخشاه، نشهد استجابة عصبية (إذ تنشط الذاكرة ومناطق المعالجة الحسية في الدماغ) واستجابة سيكولوجية إزاء هذا الخطر المحتمل، ومنها مثلا تعرُّق الكفوف وتلاحق ضربات القلب. إن تخيل مُحفز للخطر ينشط الانفعالات العاطفية للتصدي للخطر عن طريق شبكة لمناطق في الدماغ شديدة الشبه بتلك التي تنشط عندما يكون مُحفز الخطر أمامنا ونواجهه بالفعل.
ولكن نظرا لعدم وجود خطر مباشر في حالة تخيّلنا إيّاه، فإن تكرار تخيّله سيُساعد على الفصل بين المُحفز وبين الخطر المحتمل، إذ إنّ كليهما غائب. هذا يُضعف عملية الربط في الدماغ بين المُحفز وبين النتيجة المتوقعة. ونتيجة لذلك، يُخفض أيضا من الآثار العصبية والسيكولوجية التي تحدث في التصدي لذلك.
ما وصل إليه الباحثون
من أجل دراسة تأثير استخدام التخيل مثل العلاج بالتعرُّض، علّم الباحثون 66 مشتركا أن يخافوا خطرا غيرَ مؤذٍ نسبيا، وذلك عن طريق التعرض إلى صدمات كهربائية بسيطة أثناء سماعهم لنغمة عالية أو منخفضة. فانقسم المشاركون إلى 3 فئات. عولِجت الفئة الأولى بالتعرُّض على الطريقة التقليدية، فيسمعونهم الأصوات نفسها مرة أخرى، دون تلقي صدمة. أمّا الفئة الثانية فقد طُلب منها تخيل سماع الأصوات نفسها، وأيضا دون تلقي صدمة. أما الفئة الثالثة، فاستمعت إلى شدو الطيور وخرير المطر (كذلك بدون تلقي صدمة)، لاختبار مدى فاعلية العلاج بالتعرُّض والتخيل.
بعد ذلك، أسمع الباحثون الأصوات نفسها للمشاركين ولكن أثناء تعرضهم للخطر (الصدمات الكهربائية). قاس الباحثون إن كانت أدمغة المشاركين في كل فئة أبدت خوفا ناجما عن الخطر، مستخدمين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس ذلك. ثم استخدموا هذه القياسات لمقارنة ومعرفة أي مناطق الدماغ تم تنشيطها خلال الاختبار، وكيف كانت قوة الاستجابة، لدى الفئات الثلاث.
وجد الباحثون أن استخدام الخيال قد نجح في الحد من الخوف الناجم عن الخطر والتهديد. كما أوضحت الدراسة أن مع إعادة تعرُّض العينة للخطر، انخفض كل من رد الفعل الفسيولوجي ونشاط الدماغ المتعلق بالخطر. هذا الانخفاض كان مساويا في فعاليته لتلك المجموعة التي عُولجت بالتعرُّض. أما مجموعة المقارنة الثالثة، التي استمعت إلى شدو الطيور وخرير المطر، فعانت من الخوف نفسه الناجم عن الخطر عند إعادة تعرضها له.
مستقبل العلاج
ليس هذا البحث الوحيد الذي يُظهِر أن بإمكان الخيال أن يكون له تأثيرات مشابهة للواقع الحقيقي. على سبيل المثال، جرى استخدام مجرد تخيل بعض المواقف لزيادة الشعور بالسعادة، ومساعدة الناس على الشعور بمزيد من التواصل مع أحبّتهم، وزيادة الثقة في الغرباء. بل وأكثر من ذلك، يمكننا تدريب الخيال.
وعلى ما يبدو أن الاحتمالات الناجمة عن العلاج المعرفي باستخدام الخيال لا حصر لها. وبما أنها عملية منخفضة التكلفة (من حيث الوقت والمال والنتائج غير المضمونة)، فإنّنا نتطلّع إلى رؤية هذه التدابير والأنشطة أكثر تطورا واندماجا في أساليب العلاج الحالية. على الرغم من ذلك، يجب ألا تحاول بنفسك العلاج بالتخيل وبالخيال الاسترشادي. اتبع دائما نصيحة وتوجيه الخبراء الأطباء المتخصصين. فهناك بعض الأدلة على أن استخدام الخيال في حالة الذكريات غير المستقرة عن الاعتداءات، قد تؤدي إلى ذكريات زائفة ومشوّهة وأعراض سلبية متزايدة. حسب الجزيرة
كيف يساعد العلاج بالخيال في التخلص من المخاوف؟
أكدت دراسة حديثة أجريت في إحدى جامعات كاليفورنيا أن العلاج بالخيال طريقةٌ ناجحة لعلاج المصابين بمتلازمة الخوف.
فعادة يستخدم المعالجون النفسيون أسلوب تعريض مرضاهم الذين يخافون أشياء معينة، إلى مصدر الخوف ذاته حتى يتغلبوا عليه.
لكن دراسة أميركية أثبتت أن تخيل مصدر الخوف فقط، قد يكون بنفس فاعلية التعرض له.
التجربة شملت 68 متطوعاً، حيث ربطت بين سماع صوت معين والتعرض لصدمة كهربائية بسيطة، تم تعريض المتطوعين لصوتين مراراً يتزامن أحدهما مع صدمة كهربائية، ثم تصوير أدمغتهم بتقنية الرنين المغناطيسي.
النتيجة كانت أن الصوت كاف لإحداث رد فعل الصدمة الكهربائية حتى وإن لم يتم التعرض لها.
الباحثون تمكنوا من رصد الاستجابة العصبية ودراسة حالة المخ أثناء التخيل، مؤكدين أنها لم تختلف عن الاستجابة أثناء التعرض لمسبب الخوف الحقيقي.
كما أكدوا أن العلاج بالخيال، يسهم في التغلب على سلبيات التعرض لمصدر الخوف الحقيقي، منها صعوبة الوصول لمصدر الخوف، أو أن الخوف لدى المريض يكون شديداً جداً ما قد يعرضه للخطر. حسب العربية
اضافةتعليق
التعليقات