من الإجراءات التي اتخذها الرسول قبل استشهاده أنه أرسل الرسول صلى الله عليه وآله إلى أبو مويهبة ليلا وهو من مواليه اشتراه وأعتقه وقال له، لقد امرت بالاستغفار لأهل البقيع فلذا بعثت إليك للانطلاق معي ولما وصل إلى البقيع قال: السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنئكم ما أصبح الناس فيه فقد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى ثم حدث أبا مويهبة عن مفارقته للحياة قائلا: إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة بعد ذلك فاخترت لقاء ربي والجنة فقال أبا مويهبة بأبي أنت وأمي ألا تأخذ مفاتيح خزائن الدنيا وتكون مخلدا فيها ثم الجنة بعد ذلك أجاب الرسول: لاوالله لقد اخترت لقاء ربي، ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف.
كان هذا العمل أول بادرة يلفت بها الرسول أنظار المسلمين إلى أمور؛ الأول هناك فتن وأهوال سوف تمر عليهم وقد وصفها كأنها قطع ليل مظلم ولفداحة الخطب يكون حال الميت المقبور أهنأ حالا وأفضل من الباقي على وجه الدنيا.
الثاني أن الإنسان لا يخلد في الدنيا حتى لو أعطي ذلك فإنه لابد من الموت وفيه إلفات نظر وتحذير لمن يتكالب على الدنيا لأجل تحصيل منصب أو جاه أو أموال *1.
الثالث أن الرسول صلى الله عليه وآله بيّن بأن زيارة القبور ليست أمراً قبيحاً وإن الميت سوف يُترك بعد موته ولا يُزار بل أنه يستوعب ويفهم ويسمع وما فعل الرسول صلى الله عليه وآله دليل على ذلك.
وورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم زار قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله... ثمّ قال: "استأذنت ربّي في أن أزور قبرها، فأذن لي فزوروا القبور، فإنّها تذكّركم الموت"*2.
وذكر الموت ممّا دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وحثّوا عليه ليكون رادعًا للإنسان عن المعاصي داعيًا للتفكير بكماله الأخرويّ من عبادة لله وخدمة للمجتمع، لذا ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكّر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت، وجد قبره روضة من رياض الجنّة*3.
إذن الموت ينقل الإنسان من عالم إلى عالم آخر وليس نهاية الحياة وإن الأموات لديهم إدراك ويعرفون ما يحدث في عالم الدنيا، وإن الموت يحفز الإنسان بأن يحدد أولوياته ويعيد ترتيب حياته ويتمسك بما ينفع ويبتعد عن المآسي والآثام قبل فوات الأوان ..
اضافةتعليق
التعليقات