ما أجمل صباحاتنا وهي تتزين بقلائد التحية والسلام لأهل السلام!، السلام على الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام).
في كربلاء الحسين حيث مهبط العشق الإلهي، تتنسم الأنفاس بعطر الحسين (عليه السلام)، وتعبق الأجواء برائحة الشهادة الفذة، وتكتحل عيون الطف بمرأى القباب الشامخة والمنارات الوضّاءة.. هي ذي كربلاء منذ أن وطئت قدما سبط رسول الله ترابها، وسالت دماؤه ودماء أصحابه وأهل بيته فوق أديمها الزاكي، استحالت إلى جنّة أرضيّة وارفة الظلال، دائمة الاخضرار، مكتنزة بمشاعر العشق الأزلي لقيم السماء، إنها أرض مباركة ولّادة للشهداء عبر الأزمان والعصور.
في كل وصايا شهداء الوطن، لا تخلو إحداها من ذكر سيد الشهداء، الجميع بلا استثناء يوصي أن يُطاف بجثمانه قبر الشهيد، وكأنهم أقسموا بالبيعة حتى بعد شهادتهم وارتحالهم عن دنيانا، فماذا وجد من فقدك ياحسين؟!
قولوا لي بربّكم: كيف هذه الأرواح لا تهيم بسيد العشق؟! كيف لا تتماهى في المحبوب وقد اختطت طريقها على نهج الشهادة الحسينية؟! وأنّى لها أن تستكين إلا بالكون في حضرته، والطواف حول ضريحه؟!
هل هي آصرة الدم المشترك بين دمائهم ودم الشهيد؟ أم أنها سيمفونية العشق المتناغمة على ايقاع القتل فيه أحلى من العسل؟
هؤلاء هم شهداؤنا بحق، نفخر بهم ونتفاخر بذكرهم بين الأمم، سنبقى مدينين لدمائهم الزكية، لأنهم لم يبخلوا بها حين استصرختهم مدنهم وقصباتهم، ولم ينكّسوا راياتهم وهم يخوضون معارك الشرف والكرامة، بل كانوا يتسابقون إلى المنية كما تسابق أصحاب الحسين (عليه السلام) نحو الحتوف، وغامروا بأرواحهم لأجل عين الوطن، إنهم فتية أقسموا أن ينالوا إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة.. فكانوا أهلاً لها ومن روّادها.
ثم يأتي اليوم مَن يتطاول على مكانة شهداء الحشد، واصفا إياهم بنعوت ظالمة، موغلة بالحقد الأعمى، مَن تكونون أنتم حتى تحاكموا النوايا؟ وكيف استدللتم أنّ الفقر هو دافعهم نحو قتال العدو؟ أفلا شققتم الغطاء عن قلوبهم لتعلموا نواياهم؟!
إنّ شهداءنا مفخرة الوطن، اتخذوا من الامام الحسين وصحبه قادة لهم إلى الجنان، ومخطىء من يحاول النيل من مقاماتهم السامية.
إننا تربّينا منذ نعومة أظفارنا على محبة الحسين (عليه السلام)، ونحن أيضا سنربّي أولادنا على حب الحسين، بل سنقول لمن لم يزر منهم الحسين لشهر كامل :
_ لقد غرقتَ حتى أذنيكَ_يا ولدي _ في وحل الجفاء.
سيبقى الحسين حياتنا ومماتنا، به نحيا وعلى حبّه نموت، لأن الحسين هو خارطة حياة لمن أراد بوصلة النجاة.
وستبقى الروح تسامر دوحة العشق؛ لأنها بالحسين تتنفس. وصدق الشاعر منير الخنسا إذ يقول :
(دماهُ تعلّمُ الثوارَ درسا
وصار لمركبِ الأحرارِ مرسى
تراوِدُ قبرَهُ الأملاكُ أُنسا
بلا رأسٍ غدا للدين رأسا
يا شفيعَ الثقليْن... يا حسين يا حسين
قد بكتكَ كلّ عين... يا حسين يا حسين).
اضافةتعليق
التعليقات