يرى "فرويد" أن النكتة ضرب من القصد الشعوري والعلمي يلجأ الإنسان إليه ليعفي نفسه من أعباء الواجبات الثقيلة، ويتحلل من الحرج الذي يدفعه فيه الجد ولوازم العمل، وأن النكتة تشبه الحلم في أساليبه، وهي التورية والتأويل والاختزال والتلفيق، أي جمع الصورة الواحدة في صور مجتزأة متفرقة لا تجتمع في الواقع، تدور بين اثنين على الأقل، يستمد صاحبها مواقفه من سرعة البديهة وخفة الروح، فيعمد إلى مغالطة صاحبه في ألفاظه ومعانيه.
حار الباحثون في وضع تعريف دقيق لكلمة الفكاهة، وذلك لكثرة الأنواع التي تتضمنها واختلافها في ما بينها. إذ تشمل السخرية واللذع والتهكم والهجاء والنادرة والدعابة والمزاح والنكتة.
والتورية والهزل والتصوير الساخر (الكاريكاتور) والسخرية هي أحد أنواع الفكاهة، لما تحتاجه من ذكاء وخفة ومكر. وهي لذلك أداة دقيقة في أيدي الفلاسفة والكتاب والفنانين الذين يهزلون بالخرافات والعقائد المنحرفة والسلوكيات الخاطئة. وقد دخلت السخرية إلى معظم الفنون منذ قرون وقرون. ففي الأدب العربي القديم نجدها تبتدئ في هجائيات عبيد بن الأبرص ولا تنتهي بهجائيات المتنبي اللاذعة، وذلك في الشعر. كما نراها نثراً في ما خلفه لنا الجاحظ في ما أورده عن البخلاء. ونجدها في تراث الأدب العالمي الروائي ممثلة في روائع الأعمال، كرواية "دون كيشوت" للإسباني (سرفانتس)، و"النفوس الميتة" و"المفتش" للروسي (غوغول)، وفي معظم أعمال الأميركي (مارك توين).
العثمانيون والبلغار
كان العثمانيون يحاولون جهدهم السيطرة على ثقافة الشعب البلغاري عن طريق فرض ثقافتهم، وفي مجال الدعابة كانت شخصية (نصر الله خوجة)، أي جحا، تعبر عن مفاهيمهم وقيمهم في الحياة، غير أن الخيال الشعبي البلغاري سرعان ما أبدع لمواجهة تلك الشخصية التركية شخصية (جحا) البلغارية الوطنية، أي (خيتر بيتر). ومنذ ذلك الحين بدأت بين الشخصيتين الخياليتين نصر الدين خوجة وخيتر بيتر مناقشات ومجابهات ورغبة في تفوق أحدهما على الآخر، وكان سلاح الشخصيتين هو الذكاء الشعبي الحاد والفكاهة والسخرية.
لقد توظفت الدعابة لهدف سياسي، ففي مرحلة النضال ضد الفاشية في بلغاريا استطاعت النكتة أن تلعب دوراً مهماً في التصدي للغزاة..
وقد صدر في بلغاريا كتاب بعنوان (نكات المقاومة) يضم مجموعة من تلك النكات التي أطلقها الشعب البلغاري ضد أعدائه في تلك المرحلة الصعبة من تاريخه، ولاقى ذلك الكتاب رواجاً كبيراً بين القراء.
مصدر النكات
من هؤلاء الذين يبدعون النكات أو يلقونها؟ هذا من أكثر جوانب دراسات النكتة غموضاً، وثمة إجابات هناك هي أقرب إلى التأملات، تقول إحداها إن النكتة إبداع شعبي جماعي يشترك فيه عدد من الأفراد، وليس فرداً واحداً، حيث يضيفون إليها، أو يحذفون منها أو يعدلون فيها، أو يطورونها حتى تصل إلى شكلها المتقن المعروف.
وتقول تفسيرات أخرى إن المنتج الأساسي للنكتة ليست الشعوب، بل الحكومات، وخاصة أجهزة الأمن والمخابرات فيها، فهي التي تؤسس الأجهزة الخاصة التي تنشط في إبداع النكات بهدف امتصاص إحباط الناس أو معرفة مدى تقبلهم للاتجاهات والأفكار التي تحتويها هذه النكات، أو بهدف قياس ميول الناس أو اتجاهاتهم نحو سياسة حكومية معينة، أو نحو مسؤول معين تنوي حكومة ما أن تتخلص منه، هذه الأجهزة لا تقوم فقط بإبداع النكات منه خلال التأليف والترجمة والتحوير، بل تقوم أيضاً بتحليل النكات المتداولة ودراستها، بهدف معرفة الاتجاهات السائدة لدى الناس، التي تجعلهم يتفكهون أو يسخرون من بعض السياسات الداخلية أو الخارجية، وكذلك من بعض المسؤولين داخل الدولة أو خارجها.
اضافةتعليق
التعليقات