بجلوسٍ مهيب وصوتٍ عالٍ رد على الهاتف المركون جانباً: الفساد والمحسوبيات مرفوضة ومن اليوم أعلن الحريات، وبعدها بلحظات بدأت مسيرة الألف صورة، واحدة تشرح الارادة وأخرى تفسر العبادة وثانية تقول ها أنا السيادة، صفق الشعب وتنفس الأمل بضحكة ساخرة فالأكيد كان مامن قيادة بلا بلادة هكذا جرت العادة.
انطلقت الوعود من لحظة نطق العمادة وكل يوم تبرز الشهادة يوم على دجلة الخير ويوم من شبابيك الريادة، فرح الشعب وصفق وابتسم، عادت السيادة والصور أكبر شهادة، هيبة وحكمة وركازة ورئاسة وطالت الأيام ويوم بعد يوم تسحب اللقمة تلو الأخرى ولكن الفرق هذه المرة خفة اليد لطيفة مهندمة تقرأ السعادة وما هي أيام حتى عادت أحوال الناس كالخرق الواسع في الثوب الذي لم يعد فيه مكان لرقعة جديدة يستعين بها الراقع على ترقيع الخرق الذي اتسع.
كما قال ابن حمام الأزدي:
كالثوب إن أنهج فيه البلى أعيا على ذي الحيلة الصانع
كنا نداريها وقد مزقت واتسع الخرق على الراقع
وعاد الداعي أخانا بخفي حنين وألف صورة. قيل أن حنين هذا إسكافياً من أهل الحيرة، وفي ذات يوم جاء حنين إعرابي، نزق الطباع، بخيل، شحيح وقبيح في المنظر، جاء ليشتري من حنين خفين ولم يقبل الأعرابي بالسعر الذي عرضه حنين ثمناً للخِفين، وأراد أن يساومه، ويُكاسره حتى يُنقص في الثمن وبقي الأعرابي يساوم حنين، حتى زهِق منه وتضايق وبعد مناقشة طويلة عريضة ومُمِلة إنصرف الأعرابي وهو يُتمتم ولم يشتر ِ الخفين فتضايق حنين وإستشاط غضبا ًوأراد أن يُغيظ ذلك الإعرابي ففكر في خدعة يخدعه بها ويسخر منه وعندما ركب الأعرابي جمله وإستعد للعودة إلى قبيلته، أسرع حنين إلى الطريق الذي سيمر منه الأعرابي في طريق عودته ووضع أحد الخفين وسط الطريق وسار مسافة أُخرى، ثم ألقى الخف الآخر في مكان أبعد قليلا ً وعندما مر الأعرابي وهو عائد إلى قبيلته رأى في الطريق الخف الأول فأوقف الأعرابي جمله، ونزل وأمسك الخِف، ونظر إليه متعجبا ًوقال: ما أشبه الخف هذا بخف حنين الإسكافي يا خسارة ماذا يفيد هذا الخف وحده لو كان معه الخف الآخر لأخذتهما
وترك الأعرابي الخف في مكانه، لأنه لا حاجة له بخف واحد وركب جمله، وإستمر في طريقه حتى وصل إلى الخف الثاني نزل الأعرابي من فوق الجمل وأمسك الخف الثاني وقلبه في يده وقال :
يا للعجب هذا الخف أيضا ًيشبه خف حنين تماما، يا لسوء الحظ لماذا تركت الخف الأول، لو حملته، وجلبته معي، لنفع الخفان واستفدت منهما ينبغي أن أرجع فورا ً، وأحضر الخف الأول،
وترك جمله، ورجع ليجلب الخف الأول.
وكان حنين يُراقب الأعرابي من خلف تلة قريبة، وأكمة تُشرف على طريق الأياب، والعودة لينظر، ويُراقِب ماذا سيفعل هذا الاعرابي فلمّا رآه قد عاد ليحضر الخف الأول، أسرع حنين وسرق جمل الاعرابي بما عليه من بضاعة وإختفى في البراري.
وعندما رجع الأعرابي فرحا ًمُهرولا ً يحمل الخف الأول وجد الخف الثاني على الأرض، ولكنه لم يجد جمله حمل الخفين وعاد إلى قبيلته، تعجّب القوم عندما رأو الأعرابي يرجع إليهم ماشيا ً على رجليه، وليس راكبا ًجمله. فسأله قومه: بماذا جئت من سفرك؟
قام الأعرابي بعرض الخفين على قومه
وأجابهم: جِئت بخفي حُنين.
نجد السخرية نفسها في أحيان كثيرة منغمسة داخل عوالم القهر فتصبح وسيلة للتعبير عن مكنونات الألم ضد ماتمارسه السلطة وأدواتها كما أنها تعبر عن مرارة ماحدث وما هو آت فكانت السخرية الشعبية جزءا من تفاعل الناس مع الواقع وطموحاتهم بالتغيير والتأثير بعدما ملوا الحديث المنمق بلا فائدة على الأقل أصبح نكتة إن لم تصب تضحك، فتحولت ظاهرة التعليقات الساخرة في صفحات "رؤساء الوزراء"، إلى ظاهرة احتجاجية على ما يمر به المواطنون من نقص في الخدمات والوظائف والأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق، من المقبرة؛ أكثر العوالم قهرًا وحزنًا، من فجيعة الإنسان الكبرى ومن حقيقة الموت نفسها، انطلقت السخرية في العراق من مقبرة وادي السلام في محافظة النجف، حيث كان الدفان علي العمية الكعبي يطل من صفحته في فيسبوك بجملة شهيرة وساخرة "ادعو لي بالرزق والعافية". فيما يرد عليه العراقيون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ساخرين أيضًا: "هل تريد أن نموت لتُرزق؟!، فيتحول الحديث عن الموت إلى نكتة سوداء في عراق مجهول الهوية والمستقبل وبكل روح فكاهية مستمرين لغد مبهم، قال تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ حبُّ الله سبحانه شفاء من العلل واﻷوهام وسلوةٌ اﻷحزان ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾.
لا سيما في هذه اﻷزمان يكفيك أنك تشاهد في النهار آثارَه وفي الليل تشهد بين يديه أنوارَه فسبحانه يعلمنا الثبات على الحق أمام أعاصير الفتن مهما اشتدت، وأنها واهية وإلى زوال مهما بدَت طويلة للناس أو محبوكة ومعقدة، وأن القائمين عليها ضعفاء وإن ظهروا بمظهرِ القوة، وأن مثلَهم كمثل بيت العنكبوت.
اضافةتعليق
التعليقات