تنتشر في مجتمعاتنا عادات سلوكيّة خاطئة تسيء إلى قيم مجتمعنا الإسلاميّ وثقافته، ومن بين تلك العادات الكذب، فالكذب هو أيّ قولٍ مخالف للحقيقة، ومثال عليه أن يقول الإنسان مثلًا إنّي سافرت السّنة الماضية إلى لبنان لقضاء الإجازة، وحقيقة الأمر أنّه لم يسافر إلى هذا البلد، فكلّ كلام مجافٍ الحقيقة هو كذب لا يجوز ولا يحلّ في أي دينٍ من الأديان السّماويّة.
إنّ من يمارس الكذب يبرّره بأعذار واهية منها التّعرض إلى موقفٍ صعب فيرى الكذب بزعمه وسيلة للخروج منه، أو قد يمتهن الكذب على أهله أو زوجته من أجل إخفاء عادات وسلوكيّات خاطئة يمارسها ويخشى أن يعرفها النّاس، وفي كلّ الأحوال فإنّ الكذب لا يبرّر مهما كانت الأعذار، وعلى الإنسان أن يحرص على الصّدق في كلّ أحواله.
ولو تعمقنا قليلا بهذه السلوكية غير المقبولة والتي حرمها ديننا الحنيف لوجدنا أن من يمارسها شخص مريض ويعاني من جراء هذا المرض الذي قد يكون اكتسبه من العائلة أو المحيط الذي يعيش فيه، أو أن ممارسات خاطئة اتخذت بحقه كانت السبب وراء إدمانه لآفة الكذب.
الكذب المرضي:
يُعرف الكذب المرضي أيضًا بمسمّى الميثومانيا، ويطلق على الشّخص الذي يروي الأكاذيب باستمرار، كما يمكن أن يقوم المصاب بالكذب المرضي بتصديق كذبته بل والإيمان بها ولو ظاهريًّا أمام النّاس، وتمّ التّطرّق والحديث عنه منذ ما يزيد عن المئة عام، وعلى الرغم من طول فترة الأبحاث عنه إلّا أنّه لم يتم إدراجه في دليل الجمعيّة الأمريكيّة للطّب النّفسي للتّشخيص والإحصاء وفي التّصنيف الدّولي للأمراض التّابع لمنظمة الصّحة العالميّة، وهناك العديد من الشّكوك حول إن كان الكذب المرضي مرض منفصل بذاته أو مرتبط بالإصابة بأمراض نفسيّة أو شخصيّة أخرى، وإن كان الشّخص يقصد القيام بالكذب أو لا يمكنه السّيطرة على نفسه، والذي قد يصل به إلى أن يصبح حبيس كذباته.
أعراض الكذب المرضي:
يبدأ عادةً الكذب المرضي بأكاذيب صغيرة، ومن ثمّ تتطوّر الكذبات لتصبح مليئة بالدراما والتّفاصيل، وتزداد الحاجة لها للتّستّر على كذبات سابقة، كما قد تتعقّد الكذبات بسبب تزايد التّفاصيل التي لا داعي لها، ويجب التّنويه إلى أنّه ليس بالضرورة أن يكون الشّخص كثير الكذب مصابًا بالكذب المرضي؛ ويكمن الفرق الجوهري بأن الشّخص كثير الكذب يمكن إيجاد مسبّب وراء قيامه بالكذب؛ كمحاولة إثارة للإعجاب به أو التّستّر على أخطائه، بينما يقوم الشّخص المصاب بالكذب المرضي بالكذب حتى دون تواجد مبرّر وحاجة لذلك.
كيفية التعامل مع المصاب بالكذب المرضي:
قد يكون من الصّعب التّعامل مع الشخص المصاب بالكذب المرضي، وخاصةً عندما يتم إدراك واكتشاف كذباته وعدم وجود مبرّر لها، كما أنّها قد تحمل تأثيرًا سلبيًّا وتؤدّي لزعزعة الثّقة بين الأفراد، وهناك عدد من النّقاط التي يمكن أخذها بالحسبان عند إجراء حديث مع شخص مصاب بالكّذب المرضي:
- يجب تجنّب فقدان الأعصاب؛ ومحاولة كتم الغضب والحفاظ على الهدوء عند سماع الكذبة أو اكتشافها.
- يجب توقّع إنكارهم لقيامهم بالكذب؛ فإنّ المصابين بالكذب المرضي ينفون قيامهم بالكذب، بل وقد يتملّكهم الغضب ويمرّون بصدمة عند مواجهتم بكذباتهم.
- يجب أن لا يتم أخذ الموضوع بصورة شخصيّة؛ فالكذب المرضي يرتبط في كثير من الحالات بالإصابة بأمراض نفسيّة أخرى، ولا يقصد بها القيام بالكذب على شخص ما بالتّحديد.
- يجب القيام بتقديم الدّعم للشّخص المصاب بالكذب المرضي، ويجب إخبارهم بأنّ قيمتهم مدركة ومحفوظة، ولا حاجة للقيام بالكذب لإثارة الإعجاب.
- يجب عدم الإشتراك والانخراط مع كذباتهم؛ فعند ملاحظة قيام المصابين بالكذب المرضي بالكذب، يجب طلب قيامهم بإعادة كلامهم مرّة أخرى، وهو ما قد يعطيهم فرصة للتّراجع عن كذبتهم، كما يجب إخبارهم بأنّ المحادثة لن تتم إن كانوا سيستمرّون بالكذب.
- يمكن الاقتراح عليهم بأسلوب مناسب بأن يقوموا بطلب الاستشارة من الأطبّاء المختصّين لمساعدتهم؛ بحيث يتم علاج المصاب بالكذب المرضي اعتمادًا على إن كان هناك مسبّب وراء الإصابة بالكذب المرضي كالإصابة بمرض نفسي، كما أنّ خيارات العلاج تشمل ارتياد جلسات للعلاج النّفسي أو صرف الأدوية لعلاج المشاكل النّفسيّة الأخرى؛ كالاكتئاب أو متلازمة القلق العام.
اضافةتعليق
التعليقات