المرأة هي كائن بشري كامل متكامل، يملك عقلاً وقلباً وروحاً، شأنها شأن الرجل في هذا الأمر، بل وتتفوق عليه برقة مشاعرها، واتخاذها للقرارات الصائبة، بعيداً عن العنف، وبشكل أكثر إنسانية ورحمة، وهذه إحدى صفاتها الطبيعية التي خلقت عليها، لتكون فيما بعد صانعة ومربية للرجال، وللمرأة مفهومان:
أولاً: المفهوم الأصلي للمرأة: هي امتلاكها لروحها وجسدها، وكل ما يتعلق باختيارها لنمط حياتها، واتخاذ قراراتها، وتحديد مصيرها بحرية، بدون أي وصاية أو ولاية من أحد.
ثانياً: المفهوم العربي (الشرقي) للمرأة: يرتبط هذا المفهوم بالإباحية والفساد، وهذا التفكير متوارث بالشرق منذ قرون، فالمرأة بمفهومهم هي كائن محدود التفكير والمهام، ومهمته الوحيدة هي المتعة والإنجاب.
كان التمييز ضد المرأة سائداً في جميع أرجاء العالم، جنباً إلى جنب مع التمييز العرقي والعنصري، حتى ثارت المرأة في الغرب للمطالبة بحقوقها، إبان الحرب العالمية الثانية، وانشغال الرجال أو فقدانهم بالحروب فقد كانت تخرج للعمل الشاق لساعات طويلة مقابل عائد بسيط، وذلك لأنها امرأة، مما أدى إلى تعالي الأصوات للمطالبة بالمساواة في الأجور مثلها مثل الرجل. وكانت قبل ذلك الحركات النسائية تتعالى للمطالبة بحقوقهن في الغرب، وتحديداً في أميركا، ومن أبرز النساء اللواتي عملن بجد في نهاية القرن التاسع عشر الأميركيتان: إليزابيث كيدي ستانسون، وسوزي بي أنطوني، وكانت مطالباتهن آنذاك تقتصر على حق التصويت أما في الوطن العربي فما يزال التمييز سارياً ضد المرأة حتى يومنا هذا، مما أدى إلى بروز عدد من الأدباء والكتاب المطالبين حدّ الإستماتة بحرية المرأة وتطورها، جنباً إلى جنب مع الرجل، ومعاملتها كفرد منتج فعّال في المجتمع، للرقي به.
ظهور مصطلح التمييز
يمكن أن تكون بداية ظهور مصطلح (التمييز ضد المرأة) في الواقع الحقوقي عند وضع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، حين نص الميثاق في مادته الأولى على احترام حقوق الإنسان وتعزيزها من غير تمييز للجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الذكر والأنثى، وبعد عام تأسست لجنة المرأة عندما أُنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، والتي ساهمت في شكل مباشر في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصوغه 1948، والذي نصت المادة الثانية فيه على منع التمييز بين البشر في مجالات عدة كان الجنس أحدها، ثم تكرر هذا المصطلح في عدد من الوثائق، وأصبح يعني التساوي التام بين المرأة والرجل.
كان أهمها إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967 وكان هناك شبه اتفاق على نفي التمييز وتحقيق التساوي التام بين المرأة والرجل في القوانين والأعراف، خلال هذه الفترة زاد النشاط النسوي في الأمم المتحدة وأصبحت برامجها أكثر عالمية عندما أعلن عام 1975، سنة دولية للمرأة، وعقد أول مؤتمر دولي في المكسيك، في العام ذاته أعلن عن عقد الأمم المتحدة للمرأة (1976-1985)، خلاله اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على مكافحة أشكال التمييز كافة ضد المرأة 1979 المتعارف عليها بالسيداو ولا يزال مصطلح التمييز يكتسب العالمية والصفة القانونية الملزمة منذ أكثر من ثلاثة عقود والمصطلح يتبلور حول نفي أشكال التمايز كافة بين المرأة والرجل.
التمييز في العمل
العمل هو حق من حقوق الإنسان وأداة اساسية لتحقيق المساواة والتنمية والسلم وهو يساهم في علاقات أكثر مساواة بين الرجل والمرأة وفي تمكين المرأة من المشاركة في صنع القرارات داخل المجتمع، لذا هو من أفضل الوسائل لتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي القابل للاستدامة.
ما زالت الثقافة السائدة والقسمة الحادة للأدوار النمطية وفقا للجنس في المجتمع تحول دون تقدم ملحوظ في مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي، إن التمييز المستمر ضد المرأة وحرمانها من المساواة في الحقوق، ومن إمكانية الوصول، على قدم المساواة مع الرجل، إلى التعليم والتدريب والتسهيلات الائتمانية، أو افتقارها إلى تلك المساواة وإلى تلك الإمكانية، وعدم سيطرتها على الأراضي ورؤوس الأموال والتكنولوجيا ومجالات الإنتاج الأخرى هي أمور تعوق إسهامها الكامل وعلى قدم المساواة مع الرجل في التنمية وتعوق أيضا تكافؤ فرصتها في الاستفادة منها.
وأن التمييز في التعليم والتدريب والتوظيف والأجر والترقية، هي أمور لا تزال تقيد فرص العمل والفرص الاقتصادية والمهنية وغيرها من الفرص بالنسبة للمرأة وتقيد حراكها، كما تعوقها عن تحقيق كامل إمكاناتها، خاصة وأن الاستثمار في تنمية المرأة والفتاة له أثر مضاعف على الإنتاجية والكفاءة والنمو الاقتصادي المستدام.
واقع النساء
تشكل النساء غالبية أفقر أهل العالم، وقد ازداد عدد النساء اللاتي يعشن في الفقر الريفي بنسبة 50% منذ عام 1975 وتعمل النساء ثلثي عدد ساعات العمل في العالم وينتجن نصف غذاء العالم، إلا أنهن يكسبن 10% فقط من الدخل في العالم ويملكن أقل من 1% من الملكية في العالم ويتفشى العنف ضد المرأة في كافة أنحاء العالم وفي جميع الثقافات بمستوى لا يمكن تخيله، وكثيرا ما يكون نفاذ المرأة إلى العدالة مقترنا بعقبات تمييزية في القانون وفي الممارسة على حد سواء.
وتعمل أشكال متعددة من التمييز المستند إلى نوع الجنس وإلى عوامل أخرى مثل العنصر أو الطائفة أو الإعاقة أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري الإيدز، أو الميل الجنسي أو الهوية الجنسية على مضاعفة مخاطر الشدائد الاقتصادية والإقصاء والعنف ضد المرأة ومن بعض الحقائق:
_ أغلبية الفقراء في العالم والعاطلين عن العمل هم من النساء.
_ النساء تملك اقل من1 % من ثروات العالم.
_ تعمل النساء 13 ساعة أسبوعياً أكثر من الرجل وبراتب أقل منه بين 30 الى 40 %.
_ تحتل النساء حوالي 20 %من الوظائف الصناعية.
_ ان عمل النساء المنزلي والأسري غير مدفوع الأجر ولا يحسب ضمن حسابات الدخل الوطني وممكن ان تشكل بين 25 و30 %منه.
_ فجوة الأجور بين الرجال والنساء تتراوح بين 30و40%.
_ ما تزال النساء تفتقد فرصة الحصول على التدريب والترقية.
_ ما تزال غالبية النساء تعمل في قطاعات منخفضة الأجر.
_ 32% فقط من النساء في المنطقة العربية مشاركات في النشاط الاقتصادي.
-تشكل نسبة النساء العاملات 28% من القوى العاملة.
ثقافة العيب
لا شك أن سلطة العادات والتقاليد تفوق سلطة الدين عند كثير من الناس في بعض المجتمعات وليس أدل على ذلك من أن أبسط سلوك يقوم به شخص ما مما لم يحرمه الدين وحرمته التقاليد قد يجعل صاحبه في خانة المذنبين، والمهانين، والخارجين عن قيم المجتمع، فلو نادى رجل زوجته باسمها مثلا وسط أصدقائه فسوف يصبح مسخرة بينهم، ولن يسلم من أذيتهم بقصد وبغير قصد.
ولهذا نجد المجتمع يحبذ أن تنادى المرأة باسم أبيها أو ابنها أو زوجها او أخيها، حتى أنه إذا لم يجد الرجل كنية لزوجته، يخترع لها كنيات عجيبة، غالبا ما تدل على نظرته الدونية لها، وحين يريد أن يكون محترما أمام الناس يسميها بـ(الجماعة أو البيت أو العائلة) ليس من باب احترامه للمرأة نفسها، أو الحفاظ على الخصوصية كما يدعي معظم الرجال، ولكن من باب التحرج من ذكر اسمها أمام الرجال.
لأن الثقافة التقليدية ثبَّتت في أذهان الناس أن التصريح باسم المرأة (عيب)، ويدعم هذا العيب ويؤكده استنكار بعض الناس وإبداء استغرابهم حينما يعرفون اسم بنت رجل أو أخته أو أمه أو زوجته، تلك الاستجابة التي تجعل من معرفة اسم المرأة سبة وعارا يمس رجولة الرجل، ويلاحقه بعار هذا الاسم بين أصحابه، مرة باسم الدعابة، ومرة كنكاية به، ومرة كتوبيخ وغير ذلك من أنواع السلوك الدنيء، الذي يجعل الرجال والنساء معا يحجمون عن الإفصاح باسم المرأة تجنبا للإهانة من وجهة نظرهم، وحتى لا يستغل الاسم من قبل الأشرار لأذية صاحبته، أو إهانة أهلها.
هذه الثقافة الاجتماعية التي تعتبر التصريح باسم المرأة عيبا اجتماعيا يترتب عليها ظلم كبير للمرأة، وهذا الظلم يبدأ إخفاء اسم المرأة، ثم إخفاء كل ما له علاقة بحقوقها وواجباتها فيما بعد، وتجعل ذلك الإخفاء خلقا نبيلا ينبغي أن يتمسك به المجتمع، ويربي أبناءه (ذكورا وإناثا) على الدفاع عنه، وبالتالي يتم إنكار حقوق المرأة، وتزاح المرأة إلى الخلف في كل الأماكن والمواقف بوعي ومن غير وعي.
فتصبح المرأة ضحية التهميش حتى وإن خرجت للدراسة والعمل، فهي في آخر قائمة اهتمامات الرجل في الحقوق والواجبات، سواء أكان التهميش بقصد أم بغير قصد، أنا لا ألوم الرجل ولا ألوم المرأة لأنهما معا نتاج ثقافة اجتماعية تدعم التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الذكورة والأنوثة فقط، وليس على أساس أعمالهما، ولا منجزاتهما ولا مستواهما التعليمي، فالرجل هو الأول في ثقافة التمييز كيفما كان، حتى وإن كان عاطلا وجاهلا، والمرأة مرتبطة بثقافة العيب لذلك فهي تأتي بعد الرجل حتى وإن فاقته مكانة وكسبا وعلما.
إن مثل هذا التمييز هو السبب الأول في هدم شخصية المرأة وتتأذى منه النساء المتعلمات بالذات، والمؤلم حقا ألا يشعر الرجل بهذا الأذى، ويتصرف مع المرأة على أساس أنها مخلوق ناقص الأهلية، حتى وإن كانت قيادية، فعند التعامل في المواقف الاجتماعية لا يعترف المجتمع بها، وأبسط عبارة يمكن أن توجه للمرأة إذا وقعت في مشكلة وأرادت أن تعالجها بنفسها أن يقول لها الناس: لو تحضري ولي أمرك ستحل المشكلة حتى وإن كان ولي أمرها طفلا فهو المقبول اجتماعيا، لأن ظهور المرأة في المواقف الاجتماعية عيب، وينسحب هذا العيب على كل ما يتعلق بالمرأة كيفما كان مستواها.
لو أن الرجال والنساء وبخاصة المثقفين والمثقفات يحاولون مراقبة تصرفاتهم حينما يكونون في مجتمع يجمع الرجال والنساء، لوجدوا نماذج سلوكية عديدة تقوم على ثقافة التمييز ضد المرأة، لكنهم يمرون عليها بدون إدراك لنتائجها، وقد يمارسونها بدون وعي بآثارها المستقبلية.
التمييز على أساس الجنس ظلم وجحود يقع على المرأة، ويعاني منه الرجل شاء أم أبى، وسيظل هذا التمييز ماثلا في سلوك الذكور والإناث معا إلى أن يتغير مفهوم التمييز إلى مفهوم التميز، ولن يحدث ذلك إلا إذا وضع الرجل والمرأة معا أسسا صحيحة للتميز(غير الجنس)، أسسا تقوم على ما يمتلكه الفرد من قدرات ومعارف ومهارات وقيم يمثلها في سلوكه وعمله قولا وفعلا، عندها سوف نغلب الدين على الثقافة الاجتماعية التقليدية، وسيصبح التمييز بين الجنسين قائما على الاكتساب الذي لا يكون إلا بمقدار الجهد المبذول، منطلقا من قوله تعالى: للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن صدق الله العظيم (النساء: الآية 32).
اضافةتعليق
التعليقات