القلوبُ الغضة غالبا ما تقع في عفرات قساوة المحيط، فهي سهلة التأثر بالمشاعر وتنتفض لدمعة قد تكون لتمساح، بالتالي ستثقل كاهلها وكاهل الحقيقة.
في زمن تداخل الأحداث وصراع الحق والباطل ودوامات إثبات المصالح الخاصة على حساب العامة، وتزييف الوقائق والقدرة على تكذيب ما تتيقنه العيون واقناعها بخلافه، ومنصات التواصل التي باتت الخصم والحكم، وكلٌّ يدعي الحق والحق ينعى نفسه بينهم، تكون الكلمة هي أحدُّ السيوف على رقبة قائلها ترميه إما في نار الدنيا أو الآخرة، فمن الضروري أن يضع نفسه بين قوسي قل خيرا أو اصمت.
ما جعلني أكتب هذا المقال حادثة لا زال صداها في المجتمع الكربلائي ألا وهي الرجل الذي حرق أبناءه في حادثة يندى لها الجبين، ولسبب لا يمكن أن يُطلق عليه سبب!، بعد أن ظهر الرجل يشرح طريقة الحرق مع حضور لوالدة الضحايا على شاشة التلفاز وبعد أن انتشرت الحلقة على مواقع التواصل، ظهر المحلل الاجتماعي والنفسي والسياسي المكنون داخل كل فرد عراقي باطلاق أحكامه، أما بعض الرجال فقد انتفضوا لابن جنسهم حيث ألقوا اللوم على الزوجة وحمّلوها كامل المسؤولية، أما النساء فانقسمْنَ على فئتين الأولى برز عندها ناب الحقد المصحوب بالفلسفة في أنها كيف تترك أبناءها مع والدهم! وكيف لا تظهر عليها علامات الحزن، ونعتها بمختلف الصفات القاسية تصل حتى الشتائم!.
والفئة الأخرى سلّتْ سيف الضغينة على الرجال ورأتها فرصة جيدة للتهجم عليهم، وكما يقال (من هالمال حمّل جمال) ومثل هذه الحادثة حوادث كثيرة يخضع حكمها بما يلائم أهواء الأفراد، فتراهم يقفون مع القاتل ضد المقتول، ومع الشاذ ضد الصحيح، ويتعاطفون مع الأفعال الدنيئة التي يرفضها العقل والمنطق والدين، ويخترعون مصطلحات يتستر خلفها الزناة والقتلة، ويغلفوها بغلاف يجعل المجتمع يتقبلها بقبول حسن.
هناك حديث يجعل المتخبط في جدران الأحكام الضيقة يتأنى قبل أن يضغط زر الاعجاب وليس التعليق حتى، وهو وارد عن الامام الجواد عليه السلام يقول: (من إستحسَن قبيحًا كان شريكًا فيه) فقط الاستحسان لشيء قبيح يجعل الفرد شريكا فيه كيف إذا وقف في صف من يفعل الحرام ويجاهر به، أو مساندة الظالم سواء عن قصد أو غيره، وهذا يذكرني بعبارة أخرى وردت في زيارة عاشوراء (لعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به) فمجرد قبولها بالفعل استحقتْ اللعنة، فمن الضروري مراقبة الكلمات التي تخرج من فم أزار الكيبورد، وتلك التي في أرض الواقع.
ويحضرني أحد الأحاديث في كتاب آفات اللسان نقلا عن الكافي للكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي [وجلالي] لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من جوارحك.
فمن الضروري أن يشدّ الانسان على قلبه حتى لا يكون ضحية مشاعر موهومة ومقصودة لجعله ينساق وراء قلبه تاركا مبادئ انتمائه للإنسانية التي فطره الله عليها والتي ترفض بطبيعتها كلَّ رذيلة وتبتعد عن كل صفة مذمومة.
اضافةتعليق
التعليقات