فاقد الشيء استطاع أن يعطيه اليوم وأن يعاكس كل الأفكار والنظريات والفرضيات المجتمعية التي تجعل من الشخص متقوقع على نفسه، فهم مجموعة من الأشخاص يختلفون في الأشكال والإعمار والمهن والشهادات الأكاديمية لكن يجمعهم سؤال واحد وإجابة واحدة، من أطفأ الأضواء؟ لم نطفأ شيئاً بل كان ذلك نور اعينكم.
سار كل منهم بعد سماع هذه الجملة بلا شعور إلى نقطة واحدة حيث التقوا دون أن يسأل كل منهم ما هو شكلك ؟! مضوا بعد أن تلاقت أيديهم وتماسكوا وتعاهدوا على أن يرجعوا لذلك الذي فقد النور أعينه . وأسسوا فرقة السراج للفنون المسرحية والتي عرفت من خلال أحد عشر شخصا لكل منهم قصة وحكاية ، فكان الأصغر سنا كفيفا منذ ولادته يبلغ من العمر الثالثة عشر عاماً وهو طالب متفوق في دراسته ولاعبا ماهرا في كرة الهدف للمكفوفين وممثل على المسرح هو زين العابدين حيدر.
انتقاله من الصغير الى خبير المتفجرات الذي كان في كل مرة يقف أمام الموت لكنها كانت المرة الأخيرة التي أودت بجزء صغير من حياته وافقدته البصر، إلا أنه اليوم كاتب للنصوص المسرحية والقصص القصيرة وممثل مسرحي هو علي البصير.
ثم انتقاله إلى رئيس الفرقة كرار الموسوي الذي فقد بصره نتيجة لحادث بآخر يوم له في الامتحانات وبعد شفائه عاد ليكمل طريقه كتدريسي في معهد الصحة العالي ومدرب عالمي للتنمية البشرية ويصنع لنا الجمال بتمثيله على المسرح، ختاما بهؤلاء الأشخاص وليس بالفرقة أكملها بمؤسس تلك الجمعية عثمان الكناني الذي هو اب لأربعة أبناء أختار أن ينير هذا الطريق من خلال جمعية السراج للفنون المسرحية.
الذين استطاعوا تقديم النور للمسرح بعد ظلمة دامت لسنوات طويلة واستطاعوا أن يرفعوا ستارته بأعمال كثيرة منها (نحن هنا، أحلام كيشوتيه) وآخرها اندرج تحت عنوان "أوفر بروفه" الذي تناول احداث مجتمعية واقعية. كما ويملكون مهارات أخرى كأستخدامهم للتكنولوجيا الحديثة من هواتف ذكية وحواسيب.
فحين نجد على الجهة المقابلة للطريق يقف من سمع ذلك الجواب وذهب إلى بيته وأقفل باب غرفته ولم يخرج للناس لأسباب كثيرة. وبحديث لنا مع عدة أشخاص كعينة لمقالتنا مع التحفظ التام على أسمائهم فنبدأ بصديقنا الاول، شاب يبلغ ثمانية عشر عاماً يعيش مع والديه يعلمانه كل ما يجب أن يتعلمه، تفاجأ الجيران عندما رأوا في يوم من الايام سيارة زفاف تقف في بابهم ويخرج ( أ ) يرتدي بدلة العرس. متسائلين من هذا؟! واين كان كل تلك السنوات؟! هل كانوا يخبئونه في خزانة الملابس؟! اي ظلام كان يقاسيه ثمانية عشر عاماً لم يرى ولم يرى.
أما ( ب) فهي فتاة جميلة جدا ومتفوقة في دراستها في كل عام تكون الأولى على قريناتها في المدرسة وواصلت ذلك التفوق حتى في الجامعة إلا أنها برغم ذلك لم تزر مطعما أو تحضر حفلا أو تتناول وجبة طعام خارج جدران منزلها! ذلك لأن والديها لم يكن لديهم الوقت ليتفرغا لتعليمها كيفية تناول الطعام بالملعقة، و( د ) له قصة أخرى فهو يبلغ من العمر الثلاثين عاما متزوج وله أبناء لكنه نشأ وتربى على أن سائقي سيارات الأجرة كلهم لصوص ومجرمين وسيخطفوه في يوم من الأيام وهو البالغ اليوم من العمر الثلاثين لم يستقل سيارة أجرة لوحده. ختاما بحبيب الله الطفل ( و ) البالغ من العمر عشرة أعوام كان يظن أبويه أنهم يفعلان الصواب معه حين جعلوه يظن بل ويعتقد أن الجميع في الخارج يعيشون مثله في ظلام ولا يوجد شيء إسمه النور ولا يوجد أثر لمبصرين على الأرض لم يأتي في حساباتهم أن علم ما سيحدث له، فترك ليكتشف ذلك بنفسه عند دخوله المدرسة وكان لذلك أثر بالغ في نفسه أدى به لصدمة نفسية شديدة.
عند الغوص في أعماق كل منهم ترى آثارا لمعارك عدة، تحتار في أي لغة تتحدث معهم؟
إن عدنا مرة أخرى والقينا نظرة سريعة على كلا الطرفين نجد أن كلا منهم قد أختار رصيف على ذلك الطريق ووقف كلا منهم ينظر إلى الآخر ويرى مقدار الظلام الذي أحاط به، لكن نرى الفريق الأول يتحرك ويمشي إلى الأمام ويخطوا خطوات جريئة، في حين نرى العجز عند الآخر وكأن ما أصابه لم يصب الأول؟!.
نستطيع اليوم زجهم في المجتمع بطرق وأساليب مختلفة. نبدأ بالأبوين أن كان طفل او حتى شاب فيبقى لهم التأثير والدافع الأقوى فيجب تأهيلهم وتوعيتهم بشكل صحيح لأجل إرجاعه إلى الواقع الذي جبر بالخروج منه، التأهيل والتدريب النفسي للشخص ذاته يأتي في المرتبة الثانية حيث تعطى له دروس ودورات تدريبية تخوله الرجوع والغوص من جديد في غمار الدنيا.
المرحلة الثالثة ستكون من نصيب المجتمع بأكمله فنحن اليوم بحاجة لتأهيل نفسي بحت وتغيير جذري لمفاهيمنا القديمة ونظرتنا بالنسبة لأي شخص مصاب بأي مرض، فهو ليس بعاجز فقد عضو من أعضاء جسمه لكن لديه الكثير ما زالوا بخير، هل جزء يجعل الإنسان لا شيء؟! ام الإنسان من يجعل الجزء لا شيء بالنسبة له؟!.
فيجب توعية المجتمع وإدخاله لعالم الكفيف، فهم ليسوا بحاجة إلى نظرة الشفقة بقدر حاجتهم إلى توفير المستلزمات الواجب توافرها لإكمال الطريق، وهنا يأتي دور الدولة فهي لها الدور الاول والرئيسي في نجاح حياتهم المستقبلية فهي مسؤولة أمام الله ثم أمام المجتمع في تنشأتهم تنشأ صحيحة وتوفير كوادر بشرية ومستلزمات تعليمية لهم وزجهم في وسط المجتمع بلا انتقاص من شخصيتهم، وأن رأى أحد أن هذا صعب ومن المستحيلات فليتذكر طه حسين..
اضافةتعليق
التعليقات