لا يحق لنا أن نتحكم بالطريقة التي يحزن بها الآخرين، إنه الحـُزن، يهجم على الروح فيتوقف العالم في عينيّ من يتألم. لا يعرف المرء حينذاك أي معنىً لأيامه، ولا يشعر إن كان لا يزال على قيد الحياة أم لا، يحتاج إلى أن يُمنح بعض الحرية للتنفيس عن وجعه، أن يبكي باختناق صامت، ينتحب بأنين متعالي، يصرخ بقوة تخرجُ معها كل آلامه، أو يحطم غرضاً ما تقع عليه يداه، فلكل شخص دأبه في هذا الأمر، ولا يحق لأي امرئٍ أن يتدخل بذلك.
تخيل أن تفقد شخصاً عزيزاً عليك جداً، أن يأخذه الموت منك دونما رجعة، ستُعبر عن حزنك حينها بالطريقة التي تلائم كم الوجع الذي تشعر به، وبشكل لا شعوري ستفعل ما تحتاج إليه لترتاح. تخيل وأنت في خضم كل هذا الضياع والجـُرح النازف، أن يأتيك أحدهم ليقول لك بكل برود ولا مبالاة: لا تبكي، لا تُصدر أي صوت، اصمت، ولا تعبر عن حزنك، فأنت تُبالغ! ستشعر حينها حتماً بأنك ترغب في افتراس هذا الشخص مثل أسد غاضب، لانعدام إحساسه بك.
من قال إن التعبير عن المشاعر، حزناً كانت أم فرحاً يخضع لأيةِ قوانين، من قال إن هنالك طُرقاً مشروعة أو مُحظورة..! إنها طريقتك لترتاح، ما دُمت لا تؤذي أحداً ولا تقترف ذنباً يُغضب الله منك. فكيف نُلام بحُزننا على ريحانة الرسول، وليوم رحيله غُصة في جوف الأرض ولُب الجبال لا تعرف أن تهدأ بعد مئات السنين! كيف نضع لتأوهاتنا عليه قيوداً أو شروطاً وهو الذي مات ميتةً لا ترتضيها أي ملّة أو ديانة؟ كيف لا نبكي على من أدمعت له السماوات دماً وترك لنا أبجديةً كاملة، كلما تعلمنا حروفاً منها ازددنا تعطُشاً لتعلم المزيد.
كيف لا نتألم على فقد عزيز يعشقه القلب، وتفتديه الروح، وتبكيه العين دون مقدمات؟ ليعلم الكون بأسره بأننا نبكي سيدنا الحسين ما بقي في القلب نبض ونفخر به، لُغةً وأبجديةً ومنهجاً ولن يتغير ذلك الحب الذي يحتله في أفئدتنا إلى أبد الآبدين.
اضافةتعليق
التعليقات