وضبتُ حقيبتي، يجب أن لا أنسى شيئاً مُهماً!، لا أترك خلفي شيئاً نافعاً!، كُنت أردد هذة العبارات لتحضير عُدة السفر والأستعداد لسفرتي المُقبلة..
سأشتاق اليكم جميعاً في أمان الله.
نلتقي قريباً أن شاء الله..
بعد إزدحام شديد بالأفكار والتحضيرات والكثيرُ من الاسئلة حول وجهتي لكي لا أحتاجُ شيئاً، أعلنَ الهدوء والصمت هيمنته على أرجاء فكري!,
غرقتُ في صمتِ طويل وشردتُ بذهني نحو آفاقٍ مُنذ زمن لم أُحلق نحوها بسبب مشاغل الحياة وأنا أنظر لأمراة طاعنة بالسن تجلسُ أمامي!.
تفاصيل التجاعيد على يديها تُنبىء بالكثير، حقلُ من التجارب والعِبر رأيتهُ محفوراً في جبينها، يديها كانت تحتضنُ تلك الشقوق الصغيرة والكثيرة بذات الوقت!.
كلُ شق كان يُنبئ عن حُقبة مضت وإنتهت لكنها تركت آثارها علامات إشارة يستدلُ بها العابر الذي يحتاج لزاد!.
تفرُ أيامنا منا كما تنسابُ قطرات الماء من بين أصابعنا، ويمضي اليوم ويُمسي ماضياً ويجيء الغد الذي نخشاه ليُصبح يومنا وتستحيل القوة إلى وهن وهكذا تستمرُ عجلة الحياة بتعاقبِ أيامها! لـ يظهرُ في الآفاق حديثُ لسيد البلاغة وأُستاذها المولى أبو الحسن علياً صلوات الله عليه حين يقول: في التجارب علمُ مستحدث!.
ورغم دلائل الله التي لا تكاد تخلو منها مقدار ذرة بهذا الكون الفسيح يستمرُ بني آدم في سفك الأخلاق والمبادىء في أرجاء المعمورة التي إستخَّلفها له لـ يُعمرها مُصراً على ركِل كل تلك التجارب عرض الإهمال!.
مُتناسياً الهدف الأسمى من خلقه وإستخلافه، مُعيثاً فيها فساداً يكاد يستغيثُ منه أهل السماء!
لمَ كل هذا الإنحراف عن الطريق؟
ألم تكن علاماته واضحة؟
ما كان يجبُ علينا سوى أن نسلك الطريق الصحيح لـ نصل، نحن من إخترنا الطريق الخطأ!
بين اللحظة وأُختها أسأل نفسي هذا السؤال:
لم نُميل دائماً عن جادة الصواب رغم كل الدلائل الدالة عليه؟! لم نُناقض أنفسنا في أشد أفعالنا تأثيراً علينا وعلى غيرنا؟ لم نُسرع لكي نُصلي مُتناسين أن الصلاة تحتاج لأقامة في دواخلنا تستيقنها جوارحنا وتعمل بها كما فعل السيد الأبي في ظهر عاشوراء؟.
لمَ نرفعُ سيف أصواتنا في وجه الظُلم مُنددين بكل من يعتنقه ويُمارسه وما تلبث إلا دقائق ونجدُنا نمارسه بإتقان وشرعنَّة تجعله مُباح لنا حرام لغيرنا!.
لم نرتقي منبر الإصلاح والنصيحة ثم ما إن نصل لأنفسنا حتى يصبح الأمر صعباً وشاقاً فلا نجد سوى أن نغض البصر؟
لم نخضع غيرنا لمجهر ترصَّد لنبصر قذاهم ونغض البصر عن جذعنا؟
الكثير من التساؤلات تزدحمُ في فكري كلما رأيتُنا نتهافتُ على الدواء والداء فينا وما زلنا لا نبصره! كلما رأيتُنا نخسر الكثير في محاولة البحث عن الراحة والسعادة خارجاً مُتناسين أنه جرسُ يدقُ من الداخل ويخرجُ صداه الى الخارج؟
كُلما رأيتُنا نغرقُ في الشكوى، وعدم الرضا والإعتراض، كُلما إستفحل فينا شعور النقمة، وأُريق ماء النعمة.
مُتناسين أن المعادلة مُتزنة وسهلة: (ومن أعرض عن ذكري.. فإن له معيشة ضنكى).
الأمر أشبه بقانون لكل فعل ردة فعل! لابد أن نعي حقيقة أن أفعالنا مهما كانت تزن من مقدار ذرة فأنَّ لها ردة فعل!.
نحنُ بحاجة لأمر جوهري واحد فقط وهو: إدراك إن القشور لا تنفع لشيء سوى جعلَّنا نطفو فوق سطح الإيمان والأمرُ يتطلب أكثر من ذلك!، يتطلب أن يدرك الجرم الصغير إنه عالم منطوٍ في عالم!.
الإدراك ليس سهلاً وأيضاً الإنتقال من مرحلة المعرفة لـ مرحلة العمل بها يتطلب جُهداً كبيراً كـ من تعَّود على قُطعة السُكر مُلازمة لكوب شايه طيلة الأربعين عاماً والآن أخبره الطبيب بضرورة أن يتناول كوبه دون القطعة!.
فالإعتياد أشد الأسلحة وأكثرها ضراوة لأنه سلاحُ ذو حدين!، لكن الأمل الذي يلوحُ في الأفاق رغم الدمار الذي يملأ الأرجاء أن لا شيء قد فات أوانه دائماً هناك مُتسع لـ البدأ ما علينا سوى أن نبدأ!.
كلٌ منا يحملُ تأريخ إنتهاء الصلاحية مثل ما حمل تأريخ بداية، تأريخ لا نعرف متى سيكون ولكن ما علينا معرفته أنه كائن لا محالة، حين ينفذُ الوقت وتدقُ ساعة الصفر علينا أن نُلبي نداءها ونرحل هكذا مثلما جئنا الشيء الوحيد الذي بإمكاننا تركه هو حصيلة أفعالنا التي كانت، لا تمَّتَ، لا ترحل وأنت مازلتّ مُحملاً بالمزيدِ من الخير، العمل والإرادة، أفرغ ما في جُعبتك وأزرع حصادك ثم إرحل فارغاً..
ما دُمتَ إلى الآن تمتلك في رصيدك يوماً آخر فإعمل وانتج وابدأ مسيرة التغيير فيك!.
يا ابنتي وصلنا لوجهتنا، يجب أن نغادر الطائرة!.
اضافةتعليق
التعليقات