تظن أنّك عنصرٌ ضئيل لا قيمة له، وأنّك لا تملك أي تأثير على الكون بوصفك فرداً ضمن حشدٍ بشريّ، تكوينٌ بسيط ضمن معادلة أكثر تعقيداً بكثير، إنك لا تؤثر في نسبة الأوكسجين في الجو لأنك وحدك لا تستهلك ما يستهلكه الناس مجتمعين، أفعالك البسيطة لا تُشكّل فارقاً ضمن ما تُقدم عليه مجموعة من مئة شخص مثلاً!. صيدك لسمكةٍ واحدة لن تُنقص البحر العظيم الزاخر بالخيرات شيئاً، استلقائك على السرير طوال اليوم لن يضر تطوّر الكوكب ضمن بلدانٍ كثيرة تعمل ليلاً ونهاراً، وتدخينك لسيجارة واحدة في اليوم لن يضر البيئة مقارنةً بأفرادٍ يلتهمون عدة عُلب من السجائر كل يوم!.
هذه النظرة المبسطة للذات، استسهال كل شيء حين يختص بك وتعظيمه حين يمس الآخر، تهوين ما تفعل وتهويل ما يفعله الآخرون، الحكم على الله بأنه رؤوفٌ رحيم لا يؤاخذك بالفعل البسيط وإنه على الآخر قويٌ شديدٌ متين لا يغفرُ للعبد قدر نقير النواة، هي نظرةٌ أنانية تحصر المرء في إطارٍ ضيق كأن كل ما خارج حدوده لا يهمه، وأنه لا يملك أدنى تأثير على مُجريات الحياة.
يُقال للآخر في محاولةٍ لكسر مجاذيفه وإحاطته عِلماً بأنه ليس ذو شأنٍ عظيم: "أنتَ لستَ مِحور الكون" أو " أن الأرض لن تتوقف عن الدوران بسبب حزنك أو استيائك من الحياة". من البديهي إنها عباراتٌ صحيحة ومنطقية! لم نشهد حتى اليوم تعرقلاً في حركة الأرض حول نفسها أو تضارباً بين الليل والنهار، أو أن الكواكب أخطأت مساراتها فاصطدمت بأخرى، ولم تغب الشمس ولم يُخسف القمر، بسبب شخصٍ أو اثنين، وما ذكرنا لهكذا عبارات إلا لتبسيط الأمور المهولة التي لا نملك الجرأة الكافية للإقرار بها.
من الصعب تصديق أن استهلاكك لثلاث عبوات إضافية من الماء يومياً ستسبب زيادة بنسبة 40% أو أكثر في مجاميع المواد البلاستيكية المضرة، بما يجعلها عبئاً كبيراً على البيئة وخطراً يهدد حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى التي تعيش فيها انطلاقاً من حقيقة أن معظم المواد البلاستيكية لا تصدأ ولا تتحلل بيولوجيا وتبقى في البيئة لفترات طويلة وأن الاستمرار في حالة عدم الاكتراث بها وتراكمها بكميات كبيرة عاماً بعد آخر سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى أضرار ومخاطر بيئية وصحية عديدة. فالأمر لا يُقاس هكذا حين يكون على مستوى فردي، الجمع هو المخيف، الرؤية الأشمل تجعل الحقائق تبدو مكثفة ومتوحشة ولا مفر منها.
نعم، أنت محور الكون! وأنت تملك تأثيراً عالمياً بكل شيء تقدمه لذاتك ومن حولك، نهضتك هي نهضة أمة، وسقوطك سيترك صدعاً فيها، لا يُستهان بأي فعلٍ تُقدم عليه مهما بدا لك آنياً وتافهاً، فالنجوم لا تضيء السماء إلا حين تجتمع، وضياء كلٌ منها يؤثرُ على الجمع، وتحسبُ أنك جُرمٌ صغير وفيك انطوى العالمُ الأكبر.
اضافةتعليق
التعليقات