"قلة الإمكانيات لا تقف عائقا أمام الإصرار والابداع وايمان الانسان بفكرته، حين يريد تحقيق فكرته حتما سيجد الحل المناسب وحين لا يريد سيجد أيضا العذر المناسب". *1
فضعف الحالة المعيشية وتدهور الوضع الأمني والاقتصادي ربما يقف عائقا أمام الطموح وتحقيق الذات لكنها لا تمنع حصول ذلك، إنها مجرد عوائق في طريق معين، وليس الطريق نفسه..
فوضع البلدان الإسلامية مقارنة بغيرها من البلدان الأوربية تعيش حالة من المأساوية والاضمحلال العلمي والاقتصادي والأمني نعم ولا يمكن انكار ذلك، ولكن هل هذا هو سبب كافٍ لنتوقف عن العمل؟
معنى التطوير يبدأ بتحويل الأشياء البدائية إلى أشياء أكثر متجددة وعصرية من خلال فعل خارجي، فمثلا مساحة من الصحراء بفعل خارجي (أي مساعدة الإنسان والآلات) يمكن أن تتحول إلى منطقة سكنية راقية، أو مكان تجاري مميز، وهكذا..
وبنفس هذه الطريقة تطورت البلدان الغربية ووصلت إلى ما وصلت إليها الآن، إنهم لم يستيقظوا صباحا ليجدوا بلادهم مليئة بناطحات السحاب، ومزدهرة بالتطور العلمي والتكنولوجي، إنهم أيضا بدأوا من الصفر ومروا بأزمات كثيرة، ولكن الفرق هو أن الشعب كان مؤمنا بالتطور وكان يعمل جاهدا من أجل تحسين بلاده، وكافح ليكون وطنه الأفضل والأقوى، الفرق يا سادة هو الايمان بالفكرة والوطن، إذن لماذا نحن لا نفعل ذلك؟.
مع بالغ الأسف عندما يقول أحد لشخص ما ذو طاقات معينة انت تملك مهارات جيدة لماذا لا تفعل الشيء الفلاني بالتأكيد ستنجح، يكون الرد: وما الذي سينجح في هذا البلد الفاني والمتأخر؟
"بينما حكام الأوروبيين وجدوا أنفسهم يتنافسون على أفضل المثقفين والحرفيين وأكثرهم إنتاجية، فقد حظي نجوم الفكر في هذه الفترة باهتمام أوروبي، وليس مجرّد اهتمام محلي، وإنما تمتعوا بسمعة وجمهور كبير على مستوى القارة الأوروبية كاملة".
واستخدموا كل الطاقات والمهارات المتوفرة في الأفراد من اجل التقدم والتطور أكثر..
ولكي تحافظ البلدان وبالأخص المعادية للإسلام، على هذه النقطة من التقدم ماذا ستفعل غير انها تحاول تسقيط الدول المضطربة امنيا واقتصاديا أكثر فأكثر لتعد هي السبب الأساس في تأخر البلدان الإسلامية من خلال الاحتلال والسيطرة غير المباشرة والاحتكار وغيرها من الأساليب السياسية والاقتصادية بهدف تضييع الجهود وضرب الثقافة الإسلامية ومنعها من الانتشار في العالم..
واما تضييع الطاقات فتأتي من خلال دب اليأس في صفوف أصحاب المهارات وإظهار الوطن على انه أشبه بصحراء قاحلة لا تنفع فيها الزراعة ابدا، وحتى إن زرعوا فيها فلن يحصدوا منها شيئا.. ويذهب التعب هباءً منثورا، وهذا يتم من خلال المنشورات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة الى الفيديوهات التي تحبط من عزم الناس وتشل طاقاتهم وتمنعهم حتى من تطور مواهبهم لأنهم سيقولون لمن سنتعب أو ندرس ونتعلم مادام وضع البلد هكذا؟، وتجعلهم يشعرون بأنهم يعيشون على مشارف اليأس وان البلد ما عاد صالحا للعيش مقارنة بالصور والفيديوهات التي تظهر جمال وتطور البلدان الأخرى، ولكن نرجع ونقول، هل سألنا أنفسنا كيف وصلت تلك البلدان إلى هذه الحالة من التطور والترف؟
بالإضافة الى أسلوب تجميد الطاقات والمهارات هنالك أسلوب اخر يستخدمه الغرب بجانب تجميد العقول، الا وهو استغلال العقول وتهريبها الى خارج البلد، لنجد أفضل الأطباء والعلماء وأصحاب الابتكارات قد هاجروا الى الخارج من اجل الحصول على فرصة اقوى مما هي في البلد، هذا وناهيك عن أساليب الاغراء التي تستخدمها الدول لاستضافة هكذا شخصيات تحمل هذه العقول والامكانيات والمهارات الجبارة.
إنها بالأحرى تهدف إلى امتصاص الطاقات من البلاد الإسلامية، كي تبقى الساحة فارغة تماما من الأفراد الذين من الممكن أن يرفعوا من الواقع الحالي ويطوروا البلد ويفيدوا المجتمع الإسلامي ليصل الى العالمية، ولكن هيهات، فصاحب العقيدة الحقيقية لا يفضل المال والترف على حماية دينه!، ولازال الدين قائم بفضل الله وعلماءه الاخيار وأصحاب البصيرة الذين سخروا جل طاقاتهم في سبيل دين الله.
والإسلام يحتاج دائما إلى طاقات مختلفة ودماء جديدة، فمجرد الانتماء إلى هذا الدين العظيم يوجب علينا حس المسؤولية بالعمل الدائم والدخول إلى المجالات التي تنمي الانسان وتعمق جذور العقيدة لديه، وتوسع من دائرة الدين في الساحة، فهل نحن حقا مدركين لعمق المسؤولية تجاه الإسلام؟.
ويتجلى هدف الثقافة الإسلامية في العالم، في إيجاد الانسان الصالح واكتشافه وتطويره وتعليمه وترسيخ كل المبادئ الإسلامية في نفسه، وتوجيه أفكاره إلى الطريق الصحيح، وتوفير كل الأدوات التي من شأنها تطوير مهارات الفرد وتأهيله للمنافسة العالمية وطرح الثقافة الإسلامية في الساحة بأبهى وأرقى صورة ممكنة.
وفي النهاية نقدم بعض النقاط المهمة التي من خلالها يتسلط الضوء على المسؤوليات التي تترتب على الفرد المسلم لمقاومة موجة تجميد العقول والكفاح لتطوير ذاته ووطنه:
-طرح الصورة الواقعية لنوايا الغرب الخبيثة، للشريحة العامة من المجتمع وبالأخص أصحاب الهوايات القابلة للتطور والتي جمدت مواهبهم خلف شاشات الحسابات والهواتف الذكية!.
-تعريف الأمة بواجباتهم تجاه الإسلام وتبيان مسؤولياتهم تجاه الدين والوطن.
-توعية الشعوب بالخطط التي تحاك خلف الستار والتي تشجع على بقاءهم متأخرين. لتحفيزهم على التطور وبث روح الإصرار والعزيمة فيهم من أجل العطاء والتقدم المستمر.
-استخدام الطاقات وتطويرها وتوفير حواضن حقيقية لمواهب الشباب واستثمارها في مجالات مختلفة.
-اكتشاف الطاقات في مرحلة متقدمة من عمر الطفل سواء من قبل الأهل أو المدرسة، وتنميتها وصقلها من خلال مشاركته في الدورات والورش التي تخص الهواية التي يتميز بها لتطويرها أكثر فأكثر.
-تعميق الوازع الوطني والديني في نفوس الشعب، وترسيخ المبادئ السامية منذ الصغر في المدارس من قبل المعلمين والبيوت من قبل الأسرة لينشأ الجيل على نهج إسلامي مكافح صحيح.
- تكثيف إقامة الدورات والمخيمات وورش العمل التي تنمي مواهب الشباب تحت رعاية الثقافة الإسلامية.
-حث الناس على العمل والكفاح المستمر من أجل التقدم، فقوة الإسلام تتجلى في قوة الأمة، مهما كانت الأمة قوية كان الإسلام قوي ومتمركز في المنطقة.
1* فهد عامر الأحمدي
اضافةتعليق
التعليقات