الانتقال من الحياة البسيطة إلى المعقدة أفقدنا فن التعامل مع جزيئات المشاكل، فترى خلافاتنا وأبسط جدار يظهر أمامنا ألفّنا حوله تراجيديا ووقفت الحياة في هذه اللحظة، وتبدأ المواساة ممن يحيطون بنا فترى أحدهم يمد لك أيدي الطاقة الايجابية وآخر يريك صورة عن حظه الأسود ويملأ روحك بالسلبيات وأنتَ تنقاد إليه بكل سهولة كونه يعطيك أفضل الحلول ألا وهي أن تجلس وتنتظر حظا أبيضا يرفع ذلك الجدار!.
ثم تبدأ مرحلة الرؤية الضبابية حيث يرى الفرد كلُّ شيء تكاتف ليكون ضده، الأشخاص، الطبيعة، باب الغرفة، جورابه الضائع! هذه الفكرة هو من وضعها في ذهنه وبفعل قانون الجذب يبدأ يركز على كل الأمور السلبية دون النظر للإيجابيات وهذا لا يعني أن المسار أعلاه هو غير واقعي ويجب عدم الاهتمام به وغض الطرف عنه، العقبات هي الشفرة المميزة التي تدخلكَ إلى نفسك لتكشف لك عن مكنونات لم تكن تعرفها، قد تكون طاقة صبر لم تألفها فيك، أو تفجر موهبة معينة، وأقل ما تفعله تزيدك تجربة وقوة فالامام الصادق يقول: "لن تَكونوا مُؤمنين حتى تعُدّوا البَلاء نعمةً والرّخاء مُصيبة". لما في البلاء من جوانب إيجابية على مستوى الدنيا فأنها تجعلك مواجها فذّاَ تنقذ نفسك من أصعب المواقف ولما فيها من صقل أخلاقي ومعنوي.
لندير عجلة الزمن قليلا ونعود إلى حياة ما قبل التكنولوجيا والتسهيلات المتاحة الآن هل هناك هذا الكم من المشاكل النفسية والصحية، أما الطعام فالذي لا نأكله الآن بسبب الاتيكيت الخاص بنا فهو يعد وجبة رئيسية، والأعمال التي نعتبرها مجهدة وهي فوق مستوى الإنسانية التي ندعيها الآن، هي أعمال يومية استمتع بها الماضون ولا زال هناك من يمارسها بسعادة لأنهم ينظرون لها ببساطة.
هناك نقطة بسيطة جدا نفتقدها اليوم ألا وهي قانون البساطة أن ننتظر للأمور ونعالجها من دون تعقيد، الشخص الموجز البسيط الذي يركز على المهم تاركا خلفه مجموعة من القشور التي توتر حياته هو شخص سعيد يقود حياته بسهولة، فالمكتب الذي يعج بالأمور غير الضرورية هو مكتب يبعث على التوتر لمن يجلس خلفه والحل بمنتهى البساطة أن يرمي كلّ ما هو غير مهم ليكون هناك متسعا لمزيد من الأمور المهمة، هكذا الحياة تحتاج إلى ترتيب وفق سلّم الأهمية دون تعقيد وطرق وخرائط فقط ركز على أهم ما تريد فعله أو ما يعترضك وكيف تعالجه، تعلم فن الابتعاد عن الفوضى، للبساطة قوة غير متوقعة تظهرُكَ بتميز سواء على مستوى العائلة أو العمل.
اينشتاين خرج بأبسط معادلة لحل مجموعة من المعادلات المعقدة، وكذلك نيوتن فكر ببساطة ليعالج أمور صعبة لم يمتلكوا قوة خارقة في عقولهم بل بسطوا الأمور ليخرجوا بحصيلة جيدة.
الإمام علي عليه السلام لم تكن حياته فارهة ولا منعمة بل مليئة بالصعوبات التي أستطاع أن يواجهها ببساطة كما في موقفه مع خادمه قنبر في السوق حينما جاء إليه أحدهم وشتمه وأراد قنبر الرد عليه قال له يا قنبر: (دع شاتمك مهانا). لم يخبره بأن لكَ مقام ويجب أن ترد عليه ولك شخصيتك وكرامتك وسيقولون عنك ضعيفا وغيرها من معالجات خاطئة ومعقدة.
ببساطة دعه، فالحياة ليست معقدة نحن المعقدون، الحياة بسيطة والشيء البسيط هو الشيء الصحيح كما يقول اوسكار وايلد، ولكن هذه البساطة تحتاج طاقة من الأخلاق وقابلية على السيطرة على النفس وغيرها، يستطيع الانسان أن يكسبها من خلال التهذيب المادي والروحي وهذا ليس بالشيء الصعب إذا ما أراد الانسان أن يصبح أفضل كل ما نحتاجه هو إرادة لنرى أنفسنا في قمة التميز.
اضافةتعليق
التعليقات