يولد بعض الناس بشخصية قوية بينما يولد آخرون بشخصية ضعيفة؟ أم أن القوة والضعف هنا اكتسابيان؟
لا شك أن هنالك من يولد في ظروف تجعله أقوى شخصية من غيره، فكما يرث أحدنا الصفات الجسدية لآبائه و أمهاته مثل لون بشرته، وتقاسيم وجهه، كذلك فإنه يرث صفاتهم النفسية بنسبة معينة، ولكن ذلك لا يعني أن من يرث قوة الشخصية من آبائه فإنه لا يمكنه اكتسابها.
فالصفات التي نرثها ليست كلها من النوع الذي لا يمكن تبديله و تغييره، ولا من النوع الذي لا يمكن الاضافة عليه بشكل أو بآخر. فظروف الحياة، والتجارب التي يمر بها الانسان، و تصميمه الجاد و قوة إرادته . كلها تشكل عوامل تدفعه إلى زرع الصفات التي يرغب فيها في ذاته لتنمو في شخصيته.
إن النظر إلى الواقع العملي يكشف عن أن الأكثرية من أقوياء الشخصية هم من الذين اكتسبوها من خلال الخطوات العملية، التي مارسوها في حياتهم وليس من خلال عوامل الوراثة.. وانهم كانوا يعانون من الضعف في فترات سابقة من حياتهم.
ألم نر كيف أن رجلاً فقيراً فاشلاً في شبابه، تحول إلى قوة كبرى تحدى امبراطورية في عصره، وانتصر عليها، أعني غاندي، الذي حرّر الهند من الاحتلال البريطاني عندما كانت أكبر قوة استعمارية، من غير اللجوء إلى أية قوة إلا ما سماه (قوة الشخصية).
إن الحفاظ على الطهارة الداخلية النابعة من الفطرة، والإيمان الصادق بالمبادىء والقيم، والعمل المخلص من أجلها، تعطي الذات قوة عظمى لا يقتصر تأثيرها على الزمن المعاصر لها، بل تتدفق في الأزمنة اللاحقة أيضاً.
إن في الروح ينبوعاً من القوى الهائلة، وكل من يقترب من هذا الينبوع ويرتشف منه تصبح لديه قوة يسميها البعض سحرية، ولكنها هي قوة الروح الحاكمة على الحياة..
أليست الروح من أمر الله؟
يقول تعالى: "ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي"
ومن يملك روحاً يملك الحياة كلها.. أما من يفتقدها، فلا تنفع معه الأمور الأخرى.
مثلاً يظن البعض أن الذكاء، أو العلم مهمان جداً من أجل كسب النجاح في الحياة، أو كسب الأهمية في المجتمع، إلا أن تجارب كل الناجحين تدل على أن قوة الشخصية تساهم في نجاح العمل أكثر بكثير مما يساهم الذكاء، مهما كان خارقاً..
قد يتساءل البعض:
ما هي الشخصية؟
والجواب: إنها مسألة غامضة بعض الشيء كالروح، وهي تتحدى التحليل، كشذى الورد، وهي مجموعة ميزات الإنسان الروحية، والفكرية والجسدية، وميوله و رغباته و تجاربه، وتدريباته، وطريقة حياته، تأتي من الارادة و تتأثر بالوراثة والبيئة، والتربية، ولا شك ان من افتقد جانباً من قوة الشخصية، مثل الوراثة مثلاً، فإنه يمكن تقويتها لديه من خلال جوانب أخرى كالتربية والتدريب. وهذا يعني يمكننا بالتأكيد أن نجعل شخصياتنا أكثر صلابة، وأكثر جاذبية ونسعى للحصول على أقصى ما نستطيعه من خلال هذه الجوهرة التي وهبها الله تعالى لنا.
اعرف نفسك..
هل وقفت يوماً لتسأل نفسك قائلاً: من أنت؟
ربما تقول إن هذا سؤال تافه، أفلا يعرف أحدنا نفسه ومن يكون؟
ولكن لا تسرع في الاجابة، ذلك أن حقائق الحياة تكشف أن هذا السؤال هو من أهم الأسئلة المطروحة على الإنسان.. حيث من دون أن نعرف من نحن: لن نعرف ماذا لنا؟ وماذا علينا؟ ومن دون ذلك لن نعرف قيمة أنفسنا..
و "كفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدر نفسه" كما يقول الإمام علي عليه السلام.
ونعود للسؤال: من أنت؟
والجواب: إنك في الحقيقة لست شخصاً واحداً، بل شخصان:
الأول: ما أنت عليه الآن.
الثاني: ما يمكن أن تكون عليه في المستقبل.
فلربما تكون الآن شخصاً عادياً مثل بقية الناس، غير أن ما أودع الله فيك من إمكانيات، وطاقات، قد يجعلك قادراً على أن تكون واحداً من عظماء التاريخ إذا عرفت كيف تستخدم تلك الطاقات.
و هكذا فإن واقعك شيئاً..
ومستقبلك، يمكن أن يكون شيئاً آخر.
إن فيك كوناً عظيماً فإن عرفت قدره، واستثمرت ما فيه، فسوف تكون شخصاً عظيماً، ويكون مستقبلك خيراً من ماضيك.
يقول الإمام علي عليه السلام:
أ تزعم أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر.
ألا يكشف العلم كم من طاقات هائلة يمتلكها كل شخص في داخله؟
و ألا تعرف أن العقل البشري يفكر بسرعة عشرة ترليونات عملية حسابية في الثانية؟
ألا تعرف أن سعة ذاكرة الانسان هي عشرة ترليونات كلمة، بينما أهم جهاز كمبيوتر حالي لا يتسع لأكثر من بليون كلمة، وسرعته لا تتجاوز بليون عملية حسابية في الثانية..؟
وكما في جسمك كذلك في روحك و نفسك.
فإذا لم تعرف قدراتك، ولم تستخدم طاقاتك، فإن شخصيتك تبقى ضامرة، و يبقى دورك محدوداً..
أما إذا استخدمت قدراتك فستصبح قوي الشخصية، قادراً على تحقيق أمانيك، متمكناً من أعمالك..
وهكذا فإن من أهم الخطوات الأولية لاكتساب الشخصية القوية، هو القيام بتقويم الذات ليس من خلال واقعك، بل من خلال طاقاتك الكامنة، ومستقبلك المحتمل.
ليس مطلوباً أن تصبح شخصاً آخر لكي تكون لك شخصية قوية، فهذا يصطنع وضعاً زائفاً، بل المطلوب أن تكون أنت ذاتك في أفضل حالاتك، فالحقيقة أن في داخلك يكمن السحر الذي يتيح لك أن تترك الانطباع الجيد. و ما من أحد يستطيع أن يكون أنت أفضل منك.
وهذا أول الطريق نحو اكتساب قوة الشخصية.
إن قوة الشخصية تتوقف أحياناً على التناغم بين ما تفكر به، وما تريده، وما تفعله. الأمر الذي يجعلك منسجماً مع ذاتك، فلا تشعر بالتناقض بين ما تحبه وما تفعله..
إن البعض يتصرف دائماً من خلال قبوله بفرض الآخرين إرادتهم عليه، بينما المطلوب أن تكون حراً في اختيارك العمل الذي تريد القيام به.
إن من حقك أن تفعل ما تريد فعله، كما أن من حق الآخرين أن يفعلوا ما يريدون، بشرط أن لا يفرضوا هم عليك آرائهم، وأن لا تفرض أنت عليهم آرائك.
وبهذا تكون أنت ذاتك، وفي ذلك تكمن أولى متطلبات قوة الشخصية، والتي هي محور السعادة في الحياة.
تصرف وكأنك قوي في شخصيتك
من وسائل امتلاك أية صفة من الصفات الحميدة أن يتصرف الإنسان و كأنه يمتلكها بالفعل.
فمن ليس شجاعاً، إذا تصرف و كأنه شجاع بالفعل، فسرعان ما يمتلك صفة الشجاعة فعلاً..
يقول الحديث الشريف: "إن لم تكن حليماً فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم".
فإذا كنت تشعر بالضعف والدونية – لأي سبب من الأسباب – فحاول أن تتصرف و كأنك على العكس من ذلك تماماً، وذلك كفيل بأن يغير روحيتك. فإن من أقرب الطرق إلى خلق شخصية متميزة هو التصرف و كأنك تملك شخصية متميزة بالفعل..
وفلسفة ذلك أن هنالك تأثيراً متقابلاً بين كل من الجسم والروح، فإذا كان أحدهما ضعيفاً أمكن تقويته بالثاني. فأحياناً يشعر المرء بضعف في معنوياته، فيكون الحل في الاعتماد على الجسم لتغيير ذلك عبر التصرف و كأن معنوياته عالية. و أحياناً يعاني الجسم من التعب، وهنا يكمن الحل في الاعتماد على الروح لإزالة التعب منه.
إن من لا يفتأ يوحي إلى نفسه بالقوة، والنشاط، والابتهاج، والتحدي، فإنه ينفخ القوة في شخصيته.
يقول تعالى: "ولا تهنوا ولاتحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
فمع الايمان لا مجال للحزن، والخوف، والشعور بالهوان.. بل المجال كله هو للاطمئنان، والشعور بالكرامة والعز.
إن هناك مقولة تؤكد أن (الفعل) و (الشعور) يسيران معاً، وأنه تبعاً لذلك فإنه من خلال تعديل الفعل، الذي هو ضمن سيطرة الإرادة أكثر من الشعور، نستطيع أن نعدل الشعور أيضاً بشكل غير مباشر.
فلكي تحيي صفة في داخلك، تصرف وكأنك تمتلك الصفة التي تريد امتلاكها.
استجمع طاقتك و ركزها في عملك
تفقد الطاقة قدرتها على التأثير عندما يتم توزيعها، ولكنها إذا تركزت تصبح مثل شحنة كهربائية يتم اطلاقها مرة واحدة، فهي تؤثر في كل ما حولها.
قد تسأل كيف تركز طاقتك؟
والجواب بأن تحفزها، ويمكنك أن تفعل ذلك بما يلي: قبل أن تلتقي أحداً، اجلس واجمع أفكارك بهدوء، تنفس بعمق وفكر في أهداف اللقاء، ليس أهدافك فقط بل أهداف الشخص الآخر أيضاً، وربما يكون مطلوباً أن تتمشى بعض الوقت لكي تحفز قلبك على الضخ، وأحياناً تحتاج إلى أن تتصور الموقف وما يجب أن تفعله بالكامل، ولكن حالما تدخل الباب انقطع عن التفكير في نفسك، و ركز على الطرف الآخر، محاولاً استكشاف شيء تحبه فيه.
بالطبع فإن الشرط الأول في القدرة على ركيز الطاقة هو الايمان بما تفعل وتقول.
ركز فكرك، وعواطفك على ما تريد فسرعان ما تشعر بالقوة المطلوبة لتحقيقه.
اضافةتعليق
التعليقات