الرقم 13، والقطط السوداء، والمرايا المكسورة، والمشي تحت السلم، تمثل هذه الأمثلة وغيرها نماذج لأشياء يتجنبها البعض؛ اعتقادًا منهم أنها تجلب الحظ السيئ. وعلى الجانب الآخر يتمسك البعض بأشياء أخرى مثل التمائم وغيرها كي تجلب لهم الحظ الجيد. فلماذا يؤمن البشر بمثل هذه الخرافات؟ وهل يمكن أن يكون لها تأثير فعلي علينا، سواء بالسلب أو الإيجاب؟ هذا ما نتناوله في السطور التالية.
خرافة أم تقليد أم وسواس؟
إذا كنت ممن يمسكون بالخشب خشية الحسد، ويتجنبون القطط السوداء، ويحرصون على مطالعة قراءات الأبراج اليومية؛ فأنت مثل 25٪ من سكان الولايات المتحدة. يعد ما سبق ذكره أمثلة للخرافات أو ما يدعوه ستيوارت فايزي، مؤلف كتاب «الإيمان بالسحر: علم نفس الخرافة» تفكيرًا سحريًا. فكيف يفسر لنا علم النفس الدوافع وراء هذا التفكير السحري؟
في سعينا لفهم الخرافات، دعونا نبدأ أولا بتعريفها، فلا يمكن اعتبار جميع المعتقدات أو الطقوس التي يجري ممارستها خرافات. ويكمن الخط الفاصل بين الطقوس والخرافات، فيما لو أعطينا تلك التقاليد أو الطقوس نوعًا من الأهمية السحرية أو الخارقة.
على سبيل المثال: إذا مارس أحد الرياضيين طقسًا معينًا قبل أدائه إحدى المباريات، والذي من شأنه أن يساعده في تهدئة أعصابه وزيادة تركيزه، يقول فايزي: «لا يعد هذا خرافيًا». من ناحية أخرى، يقول فايزي: «إذا اعتقدت أن النقر على الكرة عددً معينًا من المرات قبل اللعب سيجعلك تفوز باللعبة، فقد دخلت عالم الخرافات».
وقد يتساءل البعض إذا كانت بعض السلوكيات الخرافية، مثل احتساب عدد المرات التي ينقر فيها على كرة، إحدى علامات اضطراب الوسواس القهري؛ إذ غالبًا ما يمارس الأشخاص المصابون بالوسواس القهري طقوسًا معينة مرات ومرات. ويوضح فايزي أن الاختلاف هنا يكمن في كون المصابين بالوسواس القهري، يواجهون صعوبة في التكيف مع أي تغيير في روتينهم الخاص؛ لذلك تتسم طقوسهم بالتكرارية التي عادة ما تعيق حياتهم اليومية. ومع أن بعض أعراض اضطراب الوسواس القهري قد تتشابه مع بعض السلوكيات الخرافية، إلا أن فايزي يقول: «إن معظم الأدلة تشير إلى عدم وجود علاقة بين الاثنين».
الخرافات والرياضة.. عندما يحالف الحظ أصحابه
تنتشر الخرافات انتشارًا واسعًا في مجال الرياضة، خاصة في المواقف شديدة التنافسية. في أحد الاستبيانات أبلغ أربعة من كل خمسة رياضيين محترفين عن اعتيادهم أداء سلوك خرافي واحد على الأقل قبل دخول المباريات في سبيل جلب للحظ. وقد أثبتت إحدى الدراسات أن الإيمان بالخرافات لدى الرياضيين المحترفين يقلل من التوتر لديهم، ويكسبهم شعورًا بالسيطرة على عوامل الصدف غير المتوقعة، الأمر الذي يمكن أن يستدل به على أن الخرافات قد توفر الطمأنينة، وتساعد في الحد من القلق لدى بعض الناس.
ويستعرض بعض الرياضيين المشهورين في كثير من الأحيان سلوكياتهم الخرافية، على سبيل المثال، مايكل جوردان أسطورة كرة السلة الأمريكي، كان يخفي سرواله الجالب للحظ تحت زيّ الفريق الذي يلعب به في المباريات، أيضًا بيورن بورج أسطورة التنس السويدي، والمصنف الأول عالميًا سابقًا، ورد أنه كان يرتدي نفس ماركة القميص عند التحضير لبطولة ويمبلدون العالمية للتنس.
وبالمثل، يملك الإسباني رافائيل نادال لاعب التنس المحترف مجموعة من الطقوس، التي يؤديها قبل كل مباراة، وتشمل هذه الطقوس: الطريقة التي يضع بها زجاجات المياه الخاصة به، وأخذ حمام شديد البرودة. ويعتقد نادال أن هذه الطقوس تساعده على التركيز، والأداء الجيد في المباريات.
لا يقتصر الأمر على الرياضيين فحسب، يملك المشجعون أيضًا طقوسهم الخاصة، التي يعتقدون أن لها يدًا في تحديد نتائج المباريات. في دراسة موسعة حول تطابق المشجعين والسلوك الخرافي، درس باحثون من جامعة موراي مدى اعتقاد المشجعين بقدرة خرافاتهم على التأثير في تحديد نتيجة المباراة.
وأوضحت النتائج أن المشجعين الأكثر ولاءً اعتقدوا بإمكانية التأثير على نتيجة اللعبة، من خلال التمسك بممارساتهم الخرافية الصارمة. وقد تضمنت تلك الممارسات الخرافية ارتداء ملابس معينة، واعتقدوا أيضًا أن نتيجة اللعبة يمكن أن تتأثر بما يأكلونه، أو يشربونه، أو حمل تمائم جالبة للحظ، خلال مشاهدة المباريات الحاسمة.
بالنسبة للعديد من الناس، عدم القدرة على التحكم في نتيجة شأن ما يعد أمرًا مرعبًا، وكلما عظمت أهمية هذا الشأن الذي لا يمكن التحكم فيه، كلما زادت احتمالية محاولة إيجاد طرق للتحكم في النتائج، حتى إن بدت تلك المحاولات غير واقعية. وسواء كان الشخص من محبي الرياضة أم لا، مؤمنًا أو ملحدًا، فكلما شعر أن حياته تتشكل من خلال عوامل خارجة عن سيطرته، كلما دفعه هذا لأن يصبح شخصا مؤمنا بالخرافات.
تعد الرغبة في المزيد من السيطرة أو اليقين القوى الدافعة وراء الإيمان بمعظم الخرافات؛ إذ يميل البشر للبحث عن نوع من القواعد، أو القوانين، أو تفسير للطريقة التي تحدث بها الأشياء. يقول فايزي: «في بعض الأحيان، يكون خلق اليقين الزائف أفضل من عدم اليقين على الإطلاق، وهذا ما تؤيده كثير من الأبحاث».
المقابلات الوظيفية، والاختبارات، وغيرها من الحالات الأخرى التي نرغب أن تسير فيها الأمور بشكل جيد، بغض النظر عن مدى استعدادنا لها أو أدائنا فيها، جميعها تحفز نمو الأفكار الخرافية. تمنح الخرافات الناس شعورًا بأنهم فعلوا شيئًا إضافيًا في محاولة لضمان النتيجة التي يبحثون عنها، ويعد الإحساس بالأمان والثقة من أعظم الفوائد، التي يحصل عليها البشر عاطفيًا من التفكير أو السلوك الخرافي، مثل حمل شيء ما أو ارتداء قطعة ملابس جالبة للحظ.
أضف إلى ذلك أنه إذا كنت تعتقد أن شيئًا ما سيساعدك، فقد يساعدك هذا الشيء بالفعل كما يعتقد البعض. هناك قدر هائل من القوة في الاعتقاد، وهو ما يعرف بالتأثير الإيحائي. أما إذا كانت النتيجة مسألة حظ خالص، فإن المعتقدات لا يكون لها أي تأثير. مع ذلك، عندما يكون أداؤك عاملًا رئيسًا في النتيجة؛ قد يمنحك التفكير الخرافي دفعة إضافية.
وعلى الجانب الآخر، وجدت دراسة نشرت في عام 2013 في المجلة العالمية لعلم نفس الأديان، أن المشاركين في الدراسة الذين عرّفوا أنفسهم بأنهم غير مؤمنين، بدأوا في التعرق عند قراءة جمل بصوت عال، يطلبون فيها من الله القيام بأشياء فظيعة مثل «أتحدى الله أن يقتل والديّ». ليس هذا فحسب، بل كان ذلك مخيفًا لهم بنفس القدر بالنسبة للمشاركين المتدينين خلال أداء التجربة.
وأشارت النتائج إلى تناقض مواقف الملحدين تجاه الله؛ إذ إن معتقداتهم الإلحادية التي يصرحون بها، تتعارض مع ردودهم العاطفية. ويمكن القول في النهاية، إنه حتى الملحدين بدى أنهم يؤمنون بقوة عليا يخافون منها، حتى وإن أنكروا وجودها علنًا.
وخلاصة القول، إن المعتقدات الخرافية تساعد بالفعل على تعزيز موقف عقلي إيجابي، ولكن يجب الحذر من أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، مثل الثقة الزائدة في مزايا الحظ الجيد بدلا من اتخاذ القرارات السليمة.
كيف يؤثر الإيمان بالخرافات على الصناعات والاقتصادات؟
في ذات السياق، يمتد تأثير الإيمان بالخرافات أيضًا إلى عالم الصناعة والاقتصاد؛ إذ يعزو عدم احتواء عديد من المباني على طابق يحمل الرقم 13، إلى الخوف من تأثير ذلك على المستأجرين المؤمنين بالخرافات، ويجري استبدال الرقم 13 باسم آخر مثل 14A أو 12B أو M (الحرف الثالث عشر في الأبجدية الإنجليزية)، وكذلك الحال على لوحة أزرار المصاعد.
يعتبر بعض الأشخاص البقاء في الطابق 13 في فندق أمرًا مزعجًا بالنسبة لهم، ويتجه آخرون إلى طلب النزول في غرفة أخرى. في السبعينات كانت العديد من المباني متعددة الطوابق – إن لم يكن معظمها – في مدينة نيويورك خالية من طابق يحمل الرقم 13، كذلك أفاد مدير خدمة شركة «Westinghouse Elevator Company» أن ما يقرب من %90 من المباني متعددة الطوابق ليس بها طابق رقم 13، والمصاعد أيضًا كان ترتيب الأزرار فيها: 11، 12، 14. ووفقًا لصمويل لويس، المدير العام لشركة «Lefrak Management»، يرجع عدم وجود طابق رقم 13 في عديد من المباني إلى خوف أصحاب العقارات من عدم شراء أو استئجار الزبائن له.
علاوة على ذلك، فإن بعض شركات الطيران مثل «Air France» و«Lufthansa»، و«Iberia» و«Ryanair» و«AirTran» و«Continental Airline» لا تحتوي طائراتها على صف يحمل رقم 13. فضلًا عن ذلك لا تحتوي طائرات شركة «Lufthansa» التي يوجد مقرها في ألمانيا على صف يحمل رقم 17؛ لأنه في بعض البلدان مثل إيطاليا والبرازيل يعد 17 الرقم المشؤوم في ثقافتهم، وليس 13.
بالنسبة للعديد من الناس، يوفر الإيمان بالخرافات إحساسًا بالسيطرة، ويقلل من الشعور بالقلق؛ ولهذا السبب يزداد انتشار الخرافات في أوقات التوتر والقلق. يحدث هذا بشكل خاص في أوقات الأزمات الاقتصادية، والتقلبات المجتمعية، لا سيما في الحروب والصراعات، الأمر الذي لاحظه الباحثون في ألمانيا خلال الفترة بين عامي 1918 و1940، حين ارتبطت التهديدات الاقتصادية التي شهدها المجتمع الألماني في تلك الفترة بشكل مباشر مع ارتفاع معدل انتشار الخرافات.
اضافةتعليق
التعليقات