كثيرا ما تضيع المسافات في السير الى الاعلى، منهم من يسير ليتخذ منهلا لحياته فينظر الى الأقل منه بنظرة العطف ومحاولة الأخذ بأيديهم للوصول معه، ومنهم من ينظر لمن تحته بعين الاستصغار والاستهزاء به متناسيا أنه مرّ من نفس السلم يوما ما.
النزعة الغرورية بعضهم يعدها مرض يقتحم الشخصية الانسانية وآخر يراها من مصاديق الثقة بالنفس والتعزيز بها، وبين تلك الاراء تقف رؤية العلوم على زمام الحقيقة وتفسير الامور والوقوف على علة الأمر.
فعندما سألنا الدكتور رضا الموسوي (اختصاص علم النفس) قال: النزعة الغرورية غالبا ما تكون ذات دوافع كامنة في ضعف الشخصية لذلك يستخدمها الفرد كنوع من الماكينزمات الدفاعي للوصول الى حالة من الاستقرار النفسي، وبعض المرات الانسان لديه حيل دفاعية ميكانزمات يلجأ اليها للفرار من ضغط نفسي معين ويمكن ادراج الغرور والتعالي ضمن هذه الضغوط، فعندما يستشعر الفرد بتسلط ضعف الشخصية يلجأ لمثل هذه الحيل.
وكذلك يرى استاذ علم النفس الدكتور سرمد الدعمي: النزعة الغرورية أكثر ما تكون ثقة بالنفس وهي ليست عامل مكتسب بل أحد صفات الشخصية منذ الطفولة ولكن بمرور الزمن قد يقويها فتصل الى مرحلة المبالغة فيها أو يضعفها لتصل الى مرحلة التواضع، وتؤثر فيها عوامل الحياة مثل طبيعة المعيشة أو العامل المادي أو الفئة الاجتماعية التي يسكن ضمنها الفرد.
وقالت الباحثة الاجتماعية ضحى العوادي:
لقد حثنا ديننا الاسلامي على التواضع وترك الغرور لأنها من الصفات السلبية والتي ينبغي الابتعاد عنها فالتواضع سمة الانبياء عليهم السلام، كما أن صفة الغرور دليل على ضعف الشخصية لأن الاشخاص الذي يكونون اكثر غرورا هم يعانون من عدم الثقة، لذلك نؤكد منذ الصغر بزرع الثقة لدى اولادنا من قبل الوالدين، لكي يتخلصوا من هذه الصفة، كذلك نرى ان بعض الاسر يعانون من بعض السلوكيات لدى اولادهم، مثلا تصفيف شعرهم وحلاقته ويظهرون في الشارع مرتدين ملابس غير لائقة مجتمعيا وغيرها، هؤلاء الذكور، اما الفتيات الذين يبالغون في ارتداء الاكسسوارات، والاحجبة وتصفيفها لكي يظهرن بأحسن مظهر، اضافة الى الحركات التي يقمنَ بها لجذب الانتباه، كالجلوس بطرق سيئة، أو صياغة أحداث لاجود لها لإلفات النظر الى أهميتهم في المجتمع، وهذه الامور تُصنف ضمن الشعور بالنقص فجميع هذه السلوكيات تتطبع وتبقى الى الكبر فنرى بعض الناس في تكبر بسبب الفراغ الفكري الذي يعانون منه.
وعندما وجهنا سؤالنا الى أصحاب الدين أجاب الشيخ حسين السلطاني:
غرور في الأصل من مادّة (غَرّ) على وزن «حرّ» بمعنى الأثر الظاهر للشيء، ويقال (غُرّة) للأثر الظاهر في جبهة الحصان، ثمّ اُطلقت الكلمة على حالة الغفلة، حيث أنّ ظاهر الإنسان واع، ولكنّه غافل في الحقيقة، وتستعمل أيضاً بمعنى الخدعة والحيلة..
وبناءً على هذا يكون معنى قوله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور) أنّها وسيلة وأداة للحيلة والخدعة للفرد وللآخرين.
وطبيعي أنّ هذا المعنى وارد في الأشخاص الذين يعتبرون الدنيا هدفهم النهائي، وتكون منتهى غاياتهم، ولكن إذا كانت الهبات المادية والمعنوية في هذا العالم كالمال، والجاه، والصحة، والعلم والعبادة، وسيلة للوصول بالإنسان للسعادة الأبدية، وليست هدفا بذاتها فإنها لا تعد من الدنيا، بل تكون جسراً وقنطرة ومزرعة للآخرة التي ستتحقّق فيها تلك الأهداف الكبيرة حقّاً.
ومن البديهي أنّ النظر إلى الدنيا باعتبار أنّها «مقرّ» أو «جسر» سوف يعطي للإنسان توجّهين مختلفين، الأوّل: يكون سبباً للنزاع والفساد والتجاوز والظلم، والطغيان والغفلة، والثاني: وسيلة للوعي والتضحية والتواضع والاُخوة والإيثار.
وعلى هذا فإن سبب الغرور هو الضعف في النفس ومدركاتها.
وعندما وجهنا السؤال إلى المربين قال المعلم عطشان الموسوي: عندما يصاب المرء بالغرور لشيء يرى قدرته على تحقيقه سهلا جدا، يهمل الاستعداد الذاتي للوصول الى نتائج النجاح المطلوبة في هذا الحقل من المسؤولية.
وبذلك تكون ثقة المرء العالية بنفسه سببا في فشله، وهذه الحالة تكون نزعة غرورية تفقده ضالته وهي لدى الطالب النجاح الذي يراه تحت تناول يده لكن الغرور وعدم الاكتراث والثقة بالنفس افقدته الاستعداد للمطالعة والمثابرة فبدلا من تحقيق النجاح كما يتوقع يحقق فشلا ذريعا.
الثقة بالنفس.. والغرور والتكبر
ويقول الشيخ حيدر البصري في هذا الموضوع:
الثقة بالنفس: هي حالة إيجابية يشعر الإنسان معها بالارتياح والاطمئنان والاعتزاز بنفسه وبقدراته على تحقيق أهدافه وما يريده في الحياة واحترام ذاته وتقديرها.
وللثقة بالنفس العديد من المظاهر التي تظهر على الشخص المتمتّع بثقة واضحة بنفسه، ومن هذه المظاهر:
1 . الشعور بالسعادة والراحة.
2 . التفاؤل والإيجابيّة.
3 . الاطمئنان في كافّة جوانب حياته لأنه يؤمن بالله تعالى وقدره وقضاءه وأنه هو النافع الضار وأنه لا يحصل شيء في الكون إلا بأذنه.
4 . السرعة في اتّخاذ القرار لدى الشخص الواثق بنفسه بعد أن درس الموضوع.
5 . المبادرة والقياديّة والقدرة على حل المشاكل.
6 . النجاح والعزيمة للوصول لأيّ هدف مراد تحقيقه.
7 . إن صاحبها يعرف حجمه ومعه فلا يتكبر ولا يدخل في أمور ليست من أختصاصه.
8 . السعي الدائم لاكتساب المزيد من الكمال فهو يرجو النجاة في لدنيا والاخرة.
أما الغرور والتكبر والعجب: هو حبّ الإنسان لنفسه وعمله بطريقة تزيد عن الحدّ الطبيعي وله مظاهر متعددة:
1 . شعور الشخص بالعظمة والتعالي.
2 . توهّمه بأنّه وصل إلى الكمال وأنه لا نقص فيه، والذي ينتج عنه قيام الشخص بالعديد من التصرّفات غير الصحيحة كأن يُشعر الأشخاص من حوله بالنقص، وبأنّهم أقلّ مكانةً منه، وبأنّه أعلى وأرقى منهم.
3 . يرى نفسه متفوق على غيره بالكثير من الأمور.
4 . لا يرى نفسه بحاجة للمزيد من العمل والتفوق فيكسل.
5 .كثيرا ما يتصنع المغرور بعمله ويدعي ما يدعي.
6 . يعيش حالة الكراهية والبغضاء لمن هو اعلى منه.
7 . أن يرضى عن نفسه وعمله.
ولا يعود الغرور بالضرر إلّا على صاحبه فيصبح مكروهاً وغير مرغوب بوجوده بين الناس لأنّه أشعر الناس بدونيتهم وقلّة مستواهم فمن الطبيعي أن يحصد نتيجة ذلك كراهيةً في نفوس الآخرين، ويعتبر الغرور مرضاً نفسيّاً في وقتنا المعاصر.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
(رضاك عن نفسك من فساد عقلك)
(شر الامور الرضا عن النفس)
(من دخله العجب هلك).
اضافةتعليق
التعليقات