المدرسة ذلك المكان الذي يهدف إلى تلبية غايات تعليمية متعددة، ففي فصولها تصنع لدى الطالب وعيًا وانضباطًا، وتنمي فيه سلوكًا تربويًا تعليميًا في آن واحد، ذلك هو تعريف المدرسة قبل فايروس كوفيد19، أما في زمن الفايروس أصبح تعريف المدرسة هو "البيت، الأم، المعلم" فهل يمكن للتعليم عن بعد أن يكون بديلاً اختياريًا ناجحًا للتعليم الحضوري أم أنه بديلًا اضطراريًا لا مفر منه؟
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، استمعنا إلى قصص عدد من المدرسات والأمهات أولها:
عندما لا تتعثر الوظيفة التعليمية
تجد (ريم عودة مدرسة رياضيات في در العميد) أن فايروس كورونا عمل على تدهور الكثير من المساقات الحياتية ومنها التعليم الحضوري إلا أنه وضع خطة تواصل مع الإدراة والمعلمين هو الطريقة المثلى لتخطي العقبات وتحسين أداء الطالب، والوقوف على المعوقات التي تمنع الأم من مقدرتها في إيصال المعلومة الصحية للطالب، ونجد أن تعاون الأم مع المدرسة تستطيع عن طريقة البحث عن سبل وبرامج تساهم في السيطرة على الطالب في المرحلة الابتدائية ومن أهمها خلال برنامج المرقاب الآلي وبرنامج الـ (fcc) وهو تجربة جديدة تشترك الأم معنا في الشؤون التعليمية وهو بحد ذاته يرسم حدود تواصلية لا تخرج عن نطاق التعلم الحضوري.
دور الوالدين
تعتبر السيدة (سجى ضياء الدين/ مدرسة وأم لطفلان في المرحلة الابتدائية) من أن الوالدان ليسا مجرد مراقبين للعملية التربوية، بل لهما دور أوسع من ذلك بكثير، فهما مسئولان قبل غيرهما عن تهيئة ظروف مثالية للتعليم من تحضير مكان ملائم للدراسة ووسائل تعليمية للمساعدة وجذب انتباه الطالب، ولا نغفل عن وضع الضوابط الزمنية للأنشطة غير المدرسية، وعلى الوالدان أن يحرصوا كل الحرص على تفعيل دور الأنشطة ذات الطابع العائلي والاجتماعي وهذا الأمر يتطلب أن يكون دور الوالدان منظم حتى لا يؤدي إلى خلل في حياة الطالب.
وتبين السيدة أمل من لبنان أن أول خطوة لنجاح العملية التعليمية عن بعد هو أن يعيش الطالب يوم دراسي بجميع فعلياته من تحضير للدرس والواجبات المدرسية، بالإضافة إلى تحقيق درجة من التواصل بين الوالدين والمعلم، حتى تتم مناقشة الخطة التعليمية.
السياسة التعليمية المنسجمة
بينما تبحث السيدة حوراء حسن الهاشمي/مخرجة طباعية، عن الأبحاث التعليمية التي تستطيع عن طريقها تثبيت المعلومة في ذاكرة ابنتها التي تبلغ 8 سنوات " دائمًا اعتمد في مذاكرتي لابنتي على الجانب العملي الذي تجد فيه متعة هذا بالجانب العملي أم دروس الحفظ اعتمد بها على المشاركة التفاعلية ورسم الجوانب التربوية والأخلاقية، لنصل إلى مرحلة الحصول على النتائج الإيجابية وهو الواجب المدرسي الذي يؤثر تأثيرًا إيجابيًا في النشاط التعليمي للطالب وتقدمه في الدراسة بل وتقديره، وتجد الهاشمي أن إشراف الأم على الواجبات المدرسية طريقة مثالية لتحقيق الهدف التعليمي.
الصف الرقمي
تبين (عذراء جواد كاظم/م. كيمياوي مساعد مختبر) تبين أن تجربة تدريس أطفالها تجربة ذات ملامح مختلفة لذا اتجهت إلى قراءة شخصية ولدها وفهم ماهي أكثر المؤثرات التي تؤثر في آلية استقباله للدرس فوجدت أن الشراكة التعليمية بين الطالب والمعلم هي مفتاح التفوق والالتزام بساعات الدراسة، لذا سعيت لأن تكون الشراكة التعليمية بيني وبين المعلمة هي أهم أداة للالتزام ابني في حفظ الدرس.
دبلوماسية تعليمية
وكان رأي رنا طارق/معلمة في مجموعة العميد: "من أن مقومات العلم واضحة وجلية ومن بين تلك المقومات أن يكون المعلم ماثلًا أمام طلبته كون إيصال المعلومة يتطلب لغة جسدية قبل كل شيء، التي كانت الباعث الأول لإيصال الفكرة أما اليوم وفي ظل تلك الظروف الراهنة توجب علينا طرح أفكارنا وإيصال معلوماتنا عبر وسيلة غير مرئية نافذين إلى رؤى خارجة عن المألوف لذا يتوجب علينا مزج الواقع المعرفي بالواقع اليومي للطالب ليكون الدرس درسًا معرفيًا وأخلاقيًا وتربويًا".
رأي الطب النفسي
سارة مكة /متخصصة في علم النفس العصبي والعيادي/ لبنان تقول:
قضايا كثيرة تغيرت منذ بدء جائحة كورونا حتى اليوم لدرجة أننا أصبحنا نقول "ما قبل كورونا وما بعد كورونا"، ومن ضمن هذه المتغيرات هو التعليم عن بعد الذي نال ما نال من نقاش عالمي حيال فوائده وسلبياته.
وتأثير الجائحة على تجربة التعليم على فئتين للتعليم منها:
1- أولا الفئة المستهدفة أي عمر الأطفال. ولعلّ المتضرّر الأكبر لهذا العام من تجربة التعليم عن بعد هم أطفال المرحلة الابتدائية الأولى الذين يتعلمون الكتابة والقراءة ويطوّرون مهاراتهم الحسيّة والحركيّة ويدربّون عضلاتهم الدقيقة التأسيسيّة في هذا العمر لكافة السنوات اللاحقة، وإذا وضعنا موضوع تعلم كتابة الأحرف ولفظها وفهم المقاطع الصوتيّة جانبًا على أساس أنّه بالحالة المثاليّة استطعنا تحقيق هذا الأمر، فالأم وحتى العاملة، أمام مأزق كبير يجب أن تلتفت إليه وهو أثر المكوث مطولًا أمام الشاشة، بالإضافة إلى موضوع تمرين العضلات وتطوير الصلات العصبية الدماغية من خلال التجربة والاستكشاف، فهل من الممكن أساسًا أن نتحدث عن دماغ لجيل كورونا يختلف عن دماغ جيل الأطفال الآخرين لأنّهم اختبروا مرحلة تأسيسيّة مختلفة؟ بكل تأكيد، مثلما كان لدخول الشاشات تأثيره الخاص على الأطفال الذين في الدّراسات العديدة أظهروا ميول أعلى للانطواء وتعرضات عاطفيّة مبكرة (جهود عاطفية مبكرة) يقابله تأخر اجتماعي وعضلي.
2- ثانيا ماذا عن تأثير المكوث المطوّل على الشاشات؟ صحيا نحن نعلم أن الدوائر العصبيّة في الدماغ تتأثّر بحجم التنبيه الذي نبثّه لها من خلال استقبال الضوء. والأشعة الزرقاء كفيلة بتغيير كميات وأوقات فرز الميلاتونين المسؤول عن تنظيم الساعة البيولوجيّة في جسم الانسان والمربوط بشكل مباشر بالسيروتينين الناقل الكيميائي المسؤول عن توازن المزاج. ناهينا عن اثارها عند من يعاني مسبقا من تعب واجهاد في عضلات العين والجفون وضعف النّظر مثلا.
فدماغ الطفل دماغ مطاطي ويحقّق سعته بكمية المعلومات المفهومة والتراكمية بالنسبة له قبل عمر الست سنوات وحتى عمر الإثنا عشر سنة، فيما بعد السادسة، تزداد سعة الدماغ ولذلك إن المرحلة التمهيدية ضرورية جدًا لطفل، من استخدام الرمل والمعجون والكرتون والأسطح متباينة الكثافة والملمس للعب الحسّي وتخصيص ساعة يوميًا على الأقل للطفل في أنشطة مشابهة، ولا نغفل عن التواصل مع معلّمات متخصصات بالتربية الحضانية والتعليم الخاص، ومن المهم أن نلتفت إلى أولادنا من الناحية النفسيّة والمواد التي يتم عرضها لهم على الشاشات سواءً في التعليم أو في غيره، ومن المهم أيضًا أن المحافظة على النقاش مع الأطفال بدون ضخ الفكر الخاص قبل الإصغاء لهم، عن طريق السماح للطفل ببدء الحديث تلقائيًا لتسهيل عمليّة الترميم التعليمي التي لا يمكن الاستغناء عنها.
واقع الأمهات بين مطرقة الحسرة وخيوط الأمل، وهن يتحسرن على الإستيقاظ صباحًا، فلم يتوقعن يومًا توقف الدراسة الحضورية وتعويضها بالتعليم عن بعد، عبر عالم افتراضي لا مادي وغير ملموس، لكن كما يقولون للضرورة أحكام.
اضافةتعليق
التعليقات