ولأنها لم تعد تطيق العيش في الفراغ وجلد ذاتها كل مساء ومعاقبتها على ماليس فيها وما فيها قررت الخروج من سرداب روحها والانتفاض على نفسها التائهة وكسرت برواز الهدوء وأطلقت العنان نحوها كبيت شعر تحفظه رغم أنها لاتهتم للشعر والأسوء أنها لاتفهم هذا البيت بالذات!.
أخذت خطواتها تجر الواحدة تلو الأخرى بتثاقل ممل مؤلم وشعرها المبعثر فوق جبينها يرسم لوحة الانكسار وكتفيها كميزان تعب على مر الزمن فأخذت كفتيه بالسقوط شيئا فشيء وكأن شبحا يجرها نحو القاع، ولكن خط رفيع من الأمل مازال معلقا يرتجف بالظلام.
ارتمت بجسدها المتعب على الزاوية وأخذ كيانها ينسدل على الحائط حتى استقر على الأرض مع صوت أنينها المكبوت، طرقت نسمات الهواء نافذتها المعتمة ثم تسللت من بين الفتحات وأطلقت تحية النفس المنعش ثم سارت بكل بطئ وشيء من البرودة لتقبل شفاهها بسلاسة وتذهب نحو الحنجرة فتسكن شهقاتها وتخرج الحسرات دون وداع وكأن تلك النسمات أرسلت من جبار مقتدر لتزيل بقايا الأسيد من ذكرياتها التي كانت تكاد تقضي عليها.
سحبت قدميها بخوف مرتجف واعتدل قوامها ثم اتكأت على الحائط وسارت نحو مفتاح الضوء وأنارت تلك الحجرة المظلمة، وقفت أمام المرآة ورفعت ماتبقى من الشعر المنسدل ونظرت لنفسها ثم ابتسمت وتلمست مسامات وجهها وتسائلت: هل يستحق الراحلون عني دون أسباب كل هذا، أن نفسد ابتسامتنا ونزيد من تجاعيد وجهنا لأجل شيء ابتدأ مبهما وانتهى في لحظة عدم ونرتضي أن نكون ممسحة في أيديهم ليرموها بالظلام محملة بالألم.
ياترى هل هناك شيء يستحق كل هذا؟
كل الأشياء ناقصة مهما اكتملت، حتى المشاعر والكلمات كلها أشياء اقتربت من التصنيع ونهايتها أظن أنه سيكون الاصطدام بحائط مريع من كم الأشياء التي نتجاهلها لخاطر هذا وذاك، حتى يأتي اليوم الذي نخسر فيه أنفسنا وكأننا كنا نصفين وانتصفنا فتترك اليد اليد الأخرى ولايعود القلب ينبض للروح والعين لاتبصر مصححة للوجه فنصبح أشلاء مبعثرة، كل جزء فينا يبحث عن الآخر ويزداد الظلام وتستبد العصبية المفرطة وتصبح الابتسامة رسما لا أكثر وتكثر تجاعيد الحزن ويشيب الشعر للاشعور.
ربما علينا أن نعي كلمة لابأس ولانظلمها بتفكيرنا فنظن أننا حينما ندوس على أنفسنا أو نقتل الحرية فينا أو نستنقص من ذواتنا هو معناها، لابأس تعني أنه سيكون كافيا أن تعلم بأنك حي في هذا الكون والباري وهبك حواس تتحكم أنت فيها لاغيرك، أن تعي أن الهواء ذاته معك والسماء ليست مختلفة من شخص لآخر.
لكن نظرتك تغيرها وتحولها من نور إلى ظلام، افتح النافذة وانظر بتأمل وسترى حتى نجومها الخفية في عز الصباح، لربما الطرق تفرق كل شيء لكن حتما ذات يوم سندرك الأسباب فبعض الأشياء المبهمة وجدت لسبب لا لنقتل أنفسنا حيرة وندم، عليك أن لاتتقبل أبدا فكرة تآكل جسدك من الداخل وإلا أصبح ركاما وجسدك يتلاشى أمام عينيك كما الموت منقضا على روحك.
أنت بحاجة للشجاعة، شجاعة لتتخطى الألم، لتترك كل الذي مضى، لتجلس معتدلا، لتبتسم من داخلك، وشجاعة للتكلم بملئ حنجرتك، فلا يبقى سوى الذي يحبك بصدق وارتضاك بصدقك وقوتك لا بضعفك مسيرا تحت أمرته، شجاعة لإيقاد شمعة الحياة واشعال نور الحجرة المظلمة داخلك، فكل شيء في هذا الكون ليس صعبا، فقط يحتاج منك مجرد شجاعة.
لاتستصعب الأمر وانهض الآن، إمسح الرسائل المؤلمة واحذف ما تبقى من شوائب الأشخاص، إلق الكلام الذي يضيق على صدرك، وغيّر لون حياتك واترك تلك العصبية المفرطة، فلا شيء يستحق، واختلط بمن حولك وكفاك ظلمة وظلما لروحك فأنت تستحق الحياة، ولو كان غير هذا فأنت مخطئ.
الله لم يخلقك عبثا لتترك جسدك يتلاشى للاشيء، فمن حق نفسك عليك أن لا تجعلها موطنا لليأس، وتأكد أنك حين تنكسر لن يرحمك بعد الله سوى نفسك، وحين تنهزم لن ينصرك سوى إرادتك، فقدرتك على الوقوف مرة أخرى لا يملكها سواك، وﻻ ﺗﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺑكت ﻗﻠبك، ﻭﻗﻞ ﺍﻟﻠﻪ يعوضني ﺧﻴﺮﺍ، فالعناية بالنفس وحمايتها ضرورة ملحة، فلا تعطي اﻷحداث فوق ما تستحق، فاليأس حين يسيطر على النفس البشرية يشعر الفرد بالضياع والاحباط، فكل الأشياء التي من حولنا ليست سيئة وليست جيدة، وليست إيجابية ولا سلبية، لكن نحن الذين نصبغها بهذه الصبغة.
هناك كلمات تنسب للامام علي (عليه السلام):
إذا آلمك كلام البشر فلا تؤلم نفسك بكثرة التفكير، لماذا قالوا ولماذا فعلوا ذلك، ثق بربك ثم بنفسك، طالما هم بشر مثلك فليس لديهم سوى ألسنتهم، ولا يملكون نفعا ولا ضرا، فلا تعط الأمر أكبر من حجمه وتمتع بالحياة واجعل من يراك، يتمنى أن يكون مثلك ومن يعرفك يدعو لك بالخير.
اضافةتعليق
التعليقات