ماهو معنى التحفيز؟
التحفيز هو العملية التي تسمح بدفع الأفراد و تحريكهم من خلال دوافع معيّنة نحو سلوك معين أو بذل مجهودات معينة قصد تحقيق هدف.
وتتمثل عناصر التحفيز في: الحافز، و المحفِّز، و المحفَّز، والقدرة والرغبة.
كما أن هناك تصنيفات متعددة ومتنوعة للحوافز، ومتداخلة مع بعضها البعض. حيث تعددت تقسيمات الباحثين في مجال الحوافز لوسائل أو أساليب يمكن للإدارة استخدامها للحصول على أقصى كفاءة ممكنة من الأداء الإنساني للعاملين. وأهم هذه التقسيمات:
-الحوافز المادية:
وهي ذات الطابع المالي أو النقدي أو الاقتصادي.. وهي التي تقوم بإشباع الحاجات الأساسية للإنسان فتشجع العاملين على بذل قصارى جهدهم في العمل. وتعد الحوافز المادية من أقدم أنواع الحوافز. وتتميز بالسرعة والفورية و إحساس الفرد بالنتيجة المباشرة لمجهوده..
وتكون الحوافز المادية على أشكال مختلفة منها: الأجر. الرضا الوظيفي. المكافآت، كمكافآت العمل الإضافي. الترقية الوظيفية....
-الحوافز المعنوية:
لا شك بأن حاجات الإنسان متعددة. وبالتالي تحتاج إلى مصادر إشباع متعددة. فهناك بعض الحاجات يمكن أن تشبع مادياً والبعض الآخر يجب أن يشبع معنوياً.. والحوافز المعنوية هي تلك التي تساعد الإنسان و تحقق له إشباع حاجاته الأخرى النفسية والاجتماعية.
فالحوافز المعنوية لا تقل أهمية عن الحوافز المادية. بل إن المادي منها لا يتحقق ما لم يقترن بحوافز معنوية كالحاجة للتقدير أو القبول الاجتماعي. والإجازات والترفيه. والوظيفة المناسبة. والمشاركة في اتخاذ القرارات.
يقول العالم الأميركي بوب نيلسون صاحب كتاب 1001 طريقة في التحفيز: (إن العامل الأهم في التحفيز هو تقدير الفرد معنوياً فهو أهم بكثير من المكافآت والترقيات. لأن الكل يريد أن يشعر برغبته بالإنجاز)..
التحفيز في القرآن الكريم..
عندما يتتبع المرء آيات الذكر الحكيم ويتدبر فيها، يجد الكثير من الآيات التي تستخدم أسلوب التحفيز والتي تحث الناس على القيام بأفعال معينة. أو ترك أمور بعينها في مقابل أن يحصلوا على فوائد دنيوية و أخروية. وليست أخروية فقط.
منها قوله تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" سورة نوح.
إذن فالتحفيز على أمور دنيوية و أخروية موجود بكتاب الله تعالى. فضلاً عن الآيات التي تتحدث عن عاقبة المؤمنين من النعيم المقيم عند الله تبارك وتعالى بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار "وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
القائد المحفز..
هناك من القادة من يكون محفزاً ومتحمساً لزوجته و أولاده وحياته الاجتماعية. أو متحفزاً لهواياته التي يحبها مثلاً. أو متحفزا للعمل بمنزله بشكل دائم.. ولكن الأهم من ذلك يجب أن يرى المرؤوسون هذا التحفيز منه إليهم فهو بمثابة الوقود الذي يتلقونه منه. فالدافعية والتحفيز لا يمكن لأحد غير القائد أن يقوم بها. لأنه بمثابة النواة المولد للطاقة للجميع.. لذلك من الصعب أن يتظاهر القائد بالحماس لتحفيز الآخرين دون الإحساس الجاد. بل لا بد من وجود شعور حقيقي واقعي يستشعر بحرارته كل من حوله ويتحدث عنه..
ينقل المؤلف الشهير "جيمس ماكجريجوير برنس" وهو عالم سياسي و قد ألف كتابا شهيرا عن القيادة، والكتاب يعد من العلامات البارزة حيث فاز بجائزة (بولتزر)، و ذكر فيه نصيحة عظيمة مفادها: (في الحياة الواقعية أعظم نصيحة للقادة هي ألا يتعاملوا مع العامة على أنهم من طبقة دنيا ولا يعاملوا الأمراء على انهم من طبقة أسمى بل يعاملون الجميع على طبقة سواء)..
ولو قرأ العالم الغربي بمفكريه و مؤلفيه وصية الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر عندما ولاه بلاد مصر، لوجد بأن هذه النصيحة قد أشير إليها قبل سنين طويلة في تلك الوصية..
فمما جاء في وصيته عليه السلام التي لو اطلع عليها هذا العالم الأميركي وغيره لأعطوها هذه الجائزة يقول عليه السلام: "و ألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع".. ويضيف عليه السلام: "فإنهم – الناس – صنفان: إما أخٌ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق".. ومن هنا سنحاول إلقاء الضوء على بعض مواقف و أفعال وكلمات أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لنرى فيه ذلك القائد العظيم المحفِّز الذي يقدم مصالح الأمة على أية مصلحة أخرى ليجني بذلك ثماراً هي الفريدة من نوعها في عالم العدل و المساواة. وسنقف في هذا الشأن على مقامات أربعة..
أولاً: الخطب والمواعظ..
الملاحظ على خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) بشكل عام هو وجود الطابع التحفيزي الغالب عليها. منها ما يتعلق بدار الآخرة ومنها ما يتعلق بهذه الدنيا و النشأة..
التحفيز للفوز بالآخرة..
من أخطر الحالات التي يمكن أن يتصف بها الفرد هو أن يعيش حالة اللامبالاة و الإهمال لحياته الأخروية.. حيث ستطغى عليه حالة من التسيب والانفلات في الدنيا دون أن يعرف بأن لكل ثانية ولحظة معنى وقدراً.. أي يفقد تلك الدافعية التي امتلكها الصالحون و الأولياء في استثمار الدنيا للآخرة.. وهذه الحالة يجب أن ينتبه إليها من يقودون الأمة ويعتبرون قدوة للعوام. فإن افتقاد الجدية في الحياة يأخذ بالانسان شيئاً فشيئاً إلى نزيف الوقت والعمر وهو يدنو بسرعة إلى حياته الأبدية التي لم يقدم لها شيئاً.. لذا نلاحظ بأنّ الإمام عليه السلام يركز في كثير من خطبه و مواعظه على استنهاض النفوس و تذكيرها بما ستؤول إليه..
يقول عليه السلام: "أيها الناس تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل فما التعرج على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل. تجهزوا رحمكم الله وانقلبوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد والتقوى..."
وهنا يعالج الإمام عليه السلام حالة التواني وفقد الدافعية بشكل واقعي يلامس شعور من لديه القابلية للانطلاق فيقول عليه السلام: "اعملوا و أنتم في آونة البقاء. والصحف منشورة. والتوبة مبسوطة. والمدبِرُ يُدعى. والمُسيء يُرجى. قبل أن يَخمُد العمل وينقطع المهل وتنقضي المدة ويُسدَّ بابُ التوبة"..
ثانياً: قصار الكلمات..
القائد هو الذي ينظر لكل أفراد المجتمع كأنهم سمك بداخل حوض كبير فترى هناك سمكاً متحركاً نشطاً. وهذا لا تحتاج إلى تحفيزه..
لذلك على القائد أن يتعامل مع مرؤوسيه بأنهم بشر ولديهم المشاعر و الأحاسيس وليست آلات تعمل لأجل المال و المادة.. كما هناك قاعدة في التحفيز يمكن أن نصيغها بالشكل التالي: (ثناء لمدة دقيقة تعطيك وقوداً لمدة سنة).. وكما قال رئيس شركة فورد موتور: (إن القائد بحاجة إلى أن يكون على اتصال بالموظفين والتواصل معهم يوميا)..
وهذا ما كان يقوم به الإمام عليه السلام بشكل دائم مع رعيته بالأسواق والمساجد والزيارات.. فهل تعلّم الغرب من الإمام عليه السلام أكثر مما تعلمنا نحن؟!
كما أن القائد الناجح يحتاج إلى أن يستخدم التدعيم الايجابي للسلوك. لا أن يركز على السلبيات فقط، ويعاقب عليها، أو يقومها.. بل عليه أن يبحث عن الايجابيات ويركزها في أذهان أتباعه لتنمو و تتطور مع مرور الزمن..
لكل شيء في العالم قيمة.. فهذا اللباس و تلك السيارة أو الذهب أو الألماس أو الفضة وجميع السلع كالبيوت و الأجهزة وغيرها لها قيمتها.. لكن لو سألت ماهي قيمة كل انسان؟ وكيف تفرق قيمة هذا من ذاك؟
لرأينا بأن الإمام عليه السلام أجاب عن هذا التساؤل حيث جعل مقياسا وميزانا للتقييم و يمكن لكل إنسان أن يقيّم نفسه بكلام الإمام عليه السلام حيث قال: (قيمة كل امرىءٍ ما يحسنه) .. أي يعمله سواء في مجال العلوم والطب و الأدوية، أو التجارة أو الدين أو غيره..
فالإمام عليه السلام يريدك أن تنجز و أن تُقدم (من تساوى يوماه فهو مغبون. ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون. ومن لم يرَ الزيادة في دينه فهو إلى النقصان. ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة).. لذلك عليك أن تتحرك و تقدم إبداعاتك لا أن تقف متفرجاً.
ومن الرسائل التحفيزية الهادفة للإمام عليه السلام كلمة لو تدبرها المرء بالشيء اليسير لأعطته دافعية كبيرة حيث يقول عليه السلام: "إنكم تعمرون بإحسانكم أكثر مما تعمرون بآجالكم".. أي من أراد الحياة الطويلة والمديدة وهي رغبة فطرية طبيعية، يجب أن يبادر بفعل الخير، أي أن تتحفز للمزيد من النشاط والبذل والعطاء فهذا يطيل عمرك أكثر و أكثر وهذا يتوافق مع قول النبي – صلى الله عليه و آله وسلم - :"صنائع المعروف تقي مصارع السوء".
ثالثاً: رسائله وكتبه إلى ولاته..
قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمالك الأشتر رضوان الله عليه عندما ولاه مصر: (ولا يكونن المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الاحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، و ألزم كلا ما ألزم نفسه) .. لله درك يا أمير البلغاء ويا من لم تعرف الأمة قائدا بعد رسول الله صلى الله عليه و آله غيره..
إنها قاعدة إدارية غاية في الروعة تنم عن خبرة صاحبها في فن القيادة و الإدارة بشكل دقيق، يعلم ما يحرك الانسان وما يختلج بدوافع العاملين وسبقت نظريات الشرق والغرب بمئات السنين.. فهنا يؤكد عليه السلام مبدأ التحفيز بواسطة الثواب و العقاب وهو مبدأ أساسي من مبادىء إدارة المنظمات.
رابعاً: في الحروب والغزوات.
لما سئل نابليون ذات مرة كيف استطعت أن تفجر طاقات جنودك؟ و أن تولد الثقة في نفوس أفراد جيشك؟
فأجاب كنت أرد بثلاث على ثلاث، من قال: لا أقدر، قلت له: حاول، ومن قال: لا أعرف قلت له: تعلم، ومن قال: مستحيل، قلت له: جرب.
وهنا يبرز دور القائد المحفز المحرض على انتصار الجيش فإقدامه أو إدباره يعتمد على ذلك.
وهذا الدور العظيم جلي في مسيرة حياة أمير المؤمنين عليه السلام، الشواهد في هذا الشأن عديدة نذكر أحدها:
عن أبي إسحاق يقول: سمعت علياً عليه السلام يحرّض (يحفّز) الناس في ثلاثة مواطن: الجمل وصفين ويوم النهر ويقول: "عباد الله اتقوا الله و أقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة والمناضلة"..
كلمة أخيرة
يقول العالم النفسي وليم جيمس: (من أعمق الصفات الانسانية لدى الإنسان هو أن يحرص دائماً على أن يكون مقدرا خير تقدير من قبل الآخرين). لذلك يعتبر التحفيز من أهم ما يبحث عنه الإنسان وينتظره من الغير.. ولا تنس بأنك دائماً أمام خيارين: إما أن تصفق للناجحين و أنت فاشل. وإما أن يصفق لك الفاشلون و أنت ناجح... فانظر أيهما ستختار؟!
اضافةتعليق
التعليقات