في زمن لم يكن في الحسبان، لم يخطر على بال، تمزق أشلاء الأفكار، فلم يعد حديثٌ يُقال أو مسموع بإستماع، كأن بصر الدنيا أغلق عينه، فما من داعٍ لبصرٍ بلا رؤيا.
في كل زمان يحتاج الإنسان الى تذكر أو من يذكره بما عليه تذكره، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (55) الذاريات، تلك الذكرى التي نساها الانسان والتي تنفع المؤمن تحديداً، تلك التعاليم التي حَفِظتها روحه الملكوتية ونستها نفسه الأرضية لكثرة الحجب والغفلة والعثرات المستمرة بلا أخذ العبرة والحكمة من الوقوع بها.
كانت تلك التعاليم من عالم الذر عالم الأرواح الهائمة بحب الله، لا عالم عقلي ولا مادي، لا تحكمه حجب ولا شقاء ، حيث أهل لا اله الا الله عالم نوراني مشرق بالالطاف المحمدية زاخر بالمعرفة العلوية مغمور باللطف الفاطمي حتى اذِن الرحمن بهبوط الأرواح الى أبدانها ، كي ترتقي وتتعلم وتتعرف الى جمالات الباطن تعبر سلالِم سماء الروح فتذهب الى عالمٍ أرقى، ولا يتم الصعود والتسامي إلا بمحمد وال محمد عليهم السلام واتباع تعاليمهم المقدسة.
ومن أول الدساتير الأساسية في مبدأهم ومبدأ أي مجتمع ناجح وكميزان لقبول الأعمال نتناول شيء بسيط عميق مدوٍ في الآفاق والأعماق ألا وهو مكارم الأخلاق، حيث قال (ولا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) (صلوات الله وسلامه عليه): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، أساساً الحديث يرتكز على مبدأ خُلُقي عظيم؛ لأتمم ! ولا يخفى علينا أن نبينا الرحيم بُعث في عصر الجاهلية، لكنه قال لأتمم أي أكمل ما ينقص من الأخلاق الكاملة، وتعتبر اشارة مجتمعية على طول الأجيال وأساس ثابت لتكوين مجتمع متراصف رصين متكاتف تحكمه أخلاقيات سماوية.
أما ما وصلنا عن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه ومنه السلام) على دستور عميق آخر شامل لتوحيد الأجناس ونبذ العنصرية والتبصر بحقيقة باطنية فقد صرح بقانون لو أتخذه الناس أساس لحياتهم تغيرت الحياة والدنيا إلى جنان الرضا وفردوس السلام .
حيث قال (عليه السلام) في وصيته لمالك ابن الحارث الاشتر حينما كان واليا على مصر : فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه (نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام ج3صفحة .83
حيث يوجه الأمير على رؤية من أمامه على محورين فقط على كثرة الناس وتنوع ألوانهم أو دينهم وحتى مبدأهم، أولهما أخ لك في الدين، لاحظوا بدأ الاخوة قبل الدين، وللأخ على أخيه حقاً، لم يذكر أخاك بالنسب إنما أخاك في دينك، اي مسلم ومن حق المسلم على اخيه المسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حق المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكتسى ويعرى أخوه فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم (جامع احاديث الشيعة_السيد البروجردي ج16،صفحة 153).
وهذا الصنف الأول وهذا أحقيته، اما الصنف الثاني نظيرك في الخلق فهذا شامل للدين وغير الدين كيفما كان الشكل أو العقيدة أو الحال أو ديانة أو اللغة ، انظر اليه انه يشابه خَلقك، له بدن كبدنك، تسكنه روحٌ من أمر الله، له أحاسيس ومشاعر وكل ما ينتابك ينتابه ، ولا تنس أن ما تريده وتتمناه لغيرك هو عائد إليك بطريقةٍ اخرى، لِم ؟! لان كل من حولك هو أنت بطريقةٍ اخرى، وكما قال أمير الموحدين ابا الحسن والحسين علي عليهم ومنهم واليهم يعود السلام: وتحسب نفسك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر، لذا، كيف حالك مع نفسك في جسد آخر؟
اضافةتعليق
التعليقات