إنَّ التجديد هو قانون الحياة.. فالأيام تتجدد، والنبات يتجدد، والإنسان يتجدد بل أن خلاياه في تجدّد دائم.
وإذا كان الكون يتجدد ويتغير فمن الحري بالإنسان أن يتغير نحو الأحسن وإلا كان مصيره الجمود والبلى فإن "الليل والنهار يبليان كل جديد" كما رُوي عن الإمام علي عليه السلام.
ومن هنا ورد في الحديث: "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له".
إنّ التجديد يقتضي بالإنسان أن لا يقنع بما هو فيه، ففي الحديث: "لا مصيبة كاستهانتك بذنبك ورضاك بالحالة التي أنت عليها".
يقول مارك تويني: "إذا كنت تؤدي عملك بالأسلوب نفسه، أو بالطريقة نفسها التي بدأته بها منذ عشر سنوات، فاعلم أنك لم تعد تصلح لهذا العمل، فابحث لنفسك عن عمل آخر".
ويقول أمرسون: "إن القبول الأعمى للوضع الراهن دليل على الكسل أو الغباء، وهو علامة الهزال، وكبر السن، وأي خطوة للأمام إنما تحقق عن طريق خيال وشجاعة".
ومن هنا كان لزاماً لمن يريد التغيير نحو الأحسن أن يجدد كل شيء.. فيجدد نشاطه بالرياضة، وفكره بالمطالعة، وعلاقاته بالتعارف.. إلى غير ذلك.
التجديد يقضي على الملل:
يعتبر الملل مشكلة العصر الحديث.. فكلما واجهت إنساناً وسألته عن أحواله فإنه يجيبك بأنه يشعر بالملل.
فالرجل يمّل عمله – أيّاً كان عمله – لأنه روتين أعتاد عليه.. والمرأة تمل حياتها في البيت أو في محل عملها.. ويتولد من ذلك الشعور بالتعب والسخط على الحياة والناس.. وفي ذلك سلبيات عديدة.
وللقضاء على الملل لا بد من التغيير فيما يلي:
ففي الحديث الشريف: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث".
إنّ الغرب يهتم بالعطلة الأسبوعية ويستعد لها... أما أهل الشرق فإنهم يرونها مجرد كسل وخمول..
إنّ الابتكار والتغيير في العمل من أسباب النجاح.. فكم من إنسان غيّر عمله فأصبح ناجحاً... فهذا الشاعر الكبير (بن جونسون) صديق شكسبير يقول: "لولا شعوري بالملل من نظم الشعر لما أصبحت كاتباً مسرحياً".
تقول الدكتورة (ماريون هيليارد) في كتابها (نظرة إلى الحب والحياة):
"لا شيء يدفع المرء إلى الهرب من الحياة، أقوى من الشعور بعدم جدوى الحياة، وهو شعور ينتاب المرأة أكثر مما ينتاب الرجل.. فصور الحياة أمام الرجل في تغير مستمر.. إنما تتغير في عمله، وفي كتبه، وفي قراءاته، حتى في طريقه إلى مكتبه في الصباح، وفي عودته منه.. بينما نجدها عند المرأة، هي هي، لا تتغير، ولا تتلون. أنها نفس الصورة الواحدة التي اعتادت أن تراها فتمتلىء بها عيناها مع شروق الشمس حتى مغيبها.. صورة بيتها الصغير، ووجوه أطفالها، ومشاكل البيت والخدم، ثم التفكير في الاطباق الجديدة تتفنن في إعدادها لهؤلاء الذين ترعاهم كل يوم.. فهو (الروتين) إذن، أو هي رتابة الحياة التي تحياها، وخاصة إذا كانت امرأة غير عاملة.. هذا هو العامل الأساسي الذي يدفع المرأة في كثير من الأحيان إلى الزهد في الحياة والهرب منها.
ثم تقول الدكتور ماريون: "مثل هذه المرأة على حق فيما شعرت أو تشعر به، وهي بلا شك في حاجة إلى تغيير في أسلوب عيشها وحياتها من حين لآخر.. ولكنها نسيت شيئاً هاماً.. نسيت مايمكن أن يضعه الحب في هذه الحياة التي ملتها وزهدت فيها. حبها لزوجها وحب زوجها لها.. حبها لابناءها، وحب أبنائها لها.. فالحب قوة يمكن أن تنسي أية امرأة في العالم كل متاعب الحياة.
ولكن هل كان هذا الشعور بالهرب من الحياة مقصوراً على المرأة وحدها، دون الرجل؟. يقول علماء النفس:
"إن الرجل أيضاً يمل الحياة، ومبعث هذا الملل لا يختلف كثيراً في أسبابه عن الدوافع التي تجعل المرأة تفكر بدورها في الهرب من الحياة.. إنه الروتين، أو الرتابة، رغم ما يجده في عمله خارج البيت، من تنويع وتغيير في الصور التي يراها، والتي تمر به كل يوم!.. فالروتين هو الروتين..".
ولكن لماذا نمل الروتين..؟ لماذا نهرب من رتابة الحياة..؟ ثم ما هو لون هذا التفسير الذي نريده لحياتنا ونسعى إليه؟
إننا قد نجده في عطلة قصيرة نقضيها بعيداً عن جو العمل، وقد نجده بين صفحات كتاب جديد ينقلنا إلى عالم آخر مليء بالعلم والمعرفة، وقد نجده في نزهة على شاطىء البحر في عطلة نهاية الاسبوع.. أو في أي شيء أو من أي عمل آخر لا يمت إلى عملنا اليومي الذي اعتدناه بصلة..
المهم أن يكون هناك تغيير.. وأن يحدث هذا التغيير كلما شعرنا بالملل من رتابة الحياة التي نحياها..
ولكن أليس الروتين بعد هذا هو الابداع؟
هذا ما يراه العلماء فهم يؤكدون أنه لولا الروتين لما استطاع توماس أديسون مثلاً أن يصنع ما صنع من ثورة في العلم.. لقد ظل هذا الرجل ولمدة تزيد على نصف قرن من الزمان يصحو من نومه في الصباح ويذهب إلى معمله ويقف أمام أجهزته ومعداته، ويقوم بإجراء تجاربه دون أن يتطرق الملل إلى نفسه لحظة واحدة..
ثم لماذا نذهب بعيداً.. تعالوا معي نلقي نظرة إلى هذا الكون الفسيح من حولنا.. أليس كل شيء فيه يسير وفق نظام دقيق رتيب لا يتغير ولا يتلون.. ثم تعالوا بنا بعد هذا لنتوقف قليلاً ونتساءل: "كيف يكون حالنا وكيف تكون أحاسيسنا، لو إن الخريف جاء في موسم الربيع؟!
اضافةتعليق
التعليقات