عندما ادركت تلك الجميلة الاربعين من العمر كانت تعتقد بأنها لازالت صغيرة على مشيب الشعر وتجاعيد الوجه التي تلوح على من هم في مثل عمرها فتتفاجأ بأنّ العد التنازلي حقاً قد بدأ ..
ارتجف زمهرير الشوق في قلبها، اوقدت الذكرى ونظرت للبعيد وهي تعود بمخيلتها لترقص على الحان الحب وتتذكر خطواتها وكيف كانت معشوقة الجميع، غصن البان وبشرتها الحسناء كيف المّت بها التجاعيد، كيف اصبحت على هذا الحال، ليقطع صوت مخيلتها مناديا اياها لتعود لواقعها المرير وزوجها العاجز، تسرع نحوه بجسد متماهل وروح شبه ميتة وخيبة امل اصابتها وحقيقة باتت تظهرها المرآة لتقترب نحوه وتناوله قدح الماء تسقيهفي حين انه يرمقها بنظرة عميقة لاتفقه معناها وكأنه يتأمل تلك المحبة التي وعدته بأن لاتفارقه للحظات.
من ترك كل شيء لأجلها، من اطلقت قَسَم البقاء والمحبة للنهاية إن بقي لـها وحدها، هي الان لاترغب حتى بمجالسته وتذهب بمخيلتها الى حيث لايعلم، وها هي تسقيه كأس الماء وهي ليست معه، ابعد رأسه ليتدفق الماء علـى الارض لتنتبه له وترمقه بنظرة غضب وكلمات قاسية: (سأمت هذه الحياة)، وتعيد اسطوانة كل يوم عن الخذلان..
ماذنبي انا وقد المّ الزمن علـيّ بعجزي، طلبتُ منها ان تخرجني لحديقة المنزل فأنا اختنق لوجودي وحيدا علّي في الحديقة اكلّم ازهاري فهي ترد علي بصوت حنو وتتراقص مع الريح لتخبرني بحبها لي فأنا ذات يوم كنت ساقيها.
اخذتني نحو الحديقة وهي غاضبة، لا اعلم مابها لكنها اليوم ليست على مايرام، انا قلق بشأنها، ليقاطع حديث ذاتي اصوات ضحكات اطفال الجيران، يا الهي كم هم رائعون،نظرت لـها بفرح واخبرتها ان تتركني عند الجدار الفاصل بيننا وبين الجيران فحقا صوت الاطفال يسعدني، لتنقض في وجهي غاضبة (الا يكفيك تعذيبي، لتخبرني بنظراتك وطلبك ان اتركك قريبا مـِن اصوات الاطفال اني حديقة قاحلة جرداء، كفاك تخبرني بوقع عيناك اني سبب وحدتك دون اطفال وما اعلمني ان القدر سيكسر بي ليجعلني هكذا ليختفي جمالي وانا اجالس عاجز مثلك).
وارتفع صوتها عاليا لتنهي حديثها (لم اعد احتمل بعد الان)، لتدخل الى الدار تاركة اياي متفاجئا من رد فعلها وانا حقا لم اقصد ما تقول، ثم عادت بعد قليل تحمل بيدها حقيبة وكأنها اتخذت قرار الهجران، ناديتها ولم تأبه لي، اتجهت نحو اسوار المنزل تاركة اياي وحيدا بلا سند ولاحب، كانت لي الملاذ الامن، هي الوطن، هي طفلتي التي تخليت عن حلم ان اكون اب لأجلها وتاركة اياي نحو المجهول.
الانانية ليست فقط ان تعيش كما تحب بل ان تدع من حولك يعيشون كما تحب انت غير مبالي بجوفهم الذي نخر من شدة الالم وانهم لايتكلمون فقط ليبصروا ابتسامتك تعلو الوجنتين دوما.
ان الانانية تتمحور حول الذات، اي يعيش الشخص لذاته فقط، موظفا كل طاقته وامكانياته لصالح نفسه وتحقيق الرفاهية لها غير مبالي بمن حوله ودون ان يصرف ولو جزء صغيرمنه لخدمة الاخرين، وحاملين صفة الانانية كجزء من تكوينهم الشخصي والانساني بل تكاد تلك الصفة تندرس فيهم فيفضحها سلوكهم وحركة ايديهم ونظراتهم..
حتى يصل بهم الحال الى تفضيل ذاتهم حتى ولو على حساب الاخرين بغض النظر عن الاذى الذي يمكن ان يلحق بهم، حيث ان هذا الحب الفردي يخلق فيهم رغبة ذاتية وغيرة جنونية للسيطرة على الاخرين وامتلاكهم بدون حق، حتى يصل لدرجة حرمان الاخر من كل شيء يمتلكه وانتزاعه حتى لو لم يكن بحاجة له.
وانّ من اشد الانانية لدى النساء هي حرمان الرجل من الاطفال بذريعة الحب والغيرة قاطعةًرحم الحياة فقط ليكون لها دون شريكة، متناسية انّ اقصى ألم يشعر به الرجل هو ان لايكون له ذكر بعده، ولكن حين يتنازل لك عن كل حقوقه فقط لانه يحبك هذا لايعني ان تعدميه الوجود، وان ما مايتدرج مع الانانية، الغرور والتكبر-الاتكالية- اراحة النفس والصعود على اكتاف الاخرين بدون مبالاة ..
والأنانية أيضاً هي إتباع ُالأهواء الشيطانية لضر الآخرين والانتفاع الشخصي، والأنانية هي حُب النفس لدرجةٍ جُنونية والتي تصطحبها الشهوات واللذات وقلة الإيمان وعدم الشعور بالآخرين، والأنانية تجّر الإنسان إلى الفساد ونحن نجد الفساد في العالم كيف توسعت آفاقه!، ولأن الأناني ليس لديه مُحرمات بل يُحلل لنفسِه كل شيء ما دامت مصلحتهُ موجودة.
والأنانية هي مرضٌ نفسي يحتاج للعلاج وهي أكبر سببٌ لأداء المُحرمات والأخطاء الشنيعة كما قيل (حُب النفس رأسُ كلُ خطيئة)، وإن الأنانية هي من فخ الشيطان ومن مكائد النفس الأمارة بالسوء لأن أخطر شر في هذه الدنيا هو شرُ شيطان النفس لأن كل أعناقنا بيده،قال الإمام علي (عليه السلام): ظلم نفسه من عصى الله وأطاع الشيطان.
لذلك يجب على كل شخص مراجعة قراراته للتخلص من هذه الآفة والسلوك الخاطئ، ويجب أن نقطع نبتة الأنانية المزروعة في أنفسنا ونزرع فيها المحبة، قال الإمام علي (عليه السلام): ثمرة المحاسنة صلاح النفس.
اضافةتعليق
التعليقات