هدوء تام وصمت رهيب، فقط صوت عجلات السيارة يسمع عبر النافذة أو بالأحرى هي من كانت لاتود سماع صوت آخر فركزت مسامعها مع العجلات وتجاهلت المارة والركاب وكل ذي صوت!.
هؤلاء الذين يصرون على الجلوس بمحاذاة النافذة لو سألتهم عن تفاصيل الطريق ستكون اجابتهم حتما أنهم لايعرفون، فهذه المساحة الوحيدة التي يستطيعون بها إيهام الناس على أن لايسألهم أحد مابكم، ذلك السؤال الذي أصبحت اجابته فاشلة ومملة ونتجاهلها كثيرا ليس لعدم القدرة على الرد بل لنعفى من الاجابة عنها وعن الأخطاء التي لاعذر لها والغياب الذي لاكفارة له.
نحن لانتجاهل الاجابة خوفا بل لأننا نكره تلك الاجابات التي على حجم السؤال فهي خاطئة وغبية وجوابها معروف تماما مثل؛ كيف حالك، أنا بخير، وافتقدتك، أنا أيضا، نحن نتوق لأشخاص يتقبلوننا بالسواد الدائر حول أعيننا، بذاك الإرتباك الذي لا يخفى علينا، بنبراتنا الساخرة في حديثنا عن أنفسنا، بصمتنا الطويل بلا دافع أو مبرر.
فتكون المساحات الهادئة فسحة للهروب من فضول الآخرين ويفتح فيها الصندوق القديم قلبه لمزيدا من دفق الحياة التي تتحول في كل لحظة إلى ماض لايعود لنتعلم بعدها أن لانشرح وجهة نظرنا لشخص غير مستعد نفسيا لفهمها مهما كانت أفكارنا بسيطة فهنا يكمن حب الاستماع لمن هو قريب على القلب ويتحملنا حتى في الأوقات التي نقترب بها من أن نكون مختلين عقليا. ببساطة أن لايلومنا على فعل اقترفناه بل يخبرنا أن المعاكس اجمل، صديقتي العزيزة أنتِ لم تخطئي يوما لأنك ظننتِ خيرا بمن لاخير فيه لكن هو كان درس بعث لك من السماء لتنتبهي، قال تعالى:(اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
يكمن عمق الخروج من المصائب والانتباه للأخطاء في حسن اللسان وجبر الخاطر لا بقساوة وتهديد واللوم على ما مر.
يقال: مرت امرأة من جانب طفل حزين ومكسور الخاطر وبيده عود يرسم به على الأرض، فأشفق قلبها عليه وسألته ماذا تفعل يا صغيري هنا.
قال: أرسم الجنة وأقسمها إلى أجزاء.
فابتسمت وقالت له: هل يمكن أن آخذ قطعة منها وكم ثمنها.
نظر إليها وقال: نعم أحتاج فقط عشرين درهم.
المرأة أعطت الطفل العشرين درهما وبعض الحلوى وذهبت وفي ليلتها رأت في المنام أنها في الجنة، وفي الصباح قصت الرؤيا لزوجها وما جرى معها مع الطفل الحزين، فقام الزوج وذهب إلى الطفل ليشتري قطعة منه.
وبعد أن سأله قال له: أريد أن أشتري قطعة من الجنة كم ثمنها.
قال الطفل: لا أبيع.
قال الرجل: بالأمس بعت قطعة لزوجتي بعشرين درهم.
قال الطفل: إن زوجتك لم تكن تطلب الجنة بالعشرين درهم بل كانت تجبر بخاطري أما أنت تطلب الجنة فحسب والجنة ليس لها ثمن محدد لأن دخولها يمر من "جبر الخواطر".
وأيضا في لقطة إنسانية تجسد معنى جبر الخواطر، فاجأ طفل مصاب بمرض "متلازمة داون" الجميع، بنزوله إلى أرض ملعب جامعة الملك سعود، خلال مباراة الهلال والقادسية، تسبب هذا الطفل بتأخير المباراة عن موعدها المحدد بدقائق؛ حيث حاول أكثر من شخص إقناع الطفل بطريقة ودودة بالخروج من الملعب إلا أنه رفض. وبينما كان الطفل يصر على البقاء داخل الملعب، حاول العماني علي الحبسي حارس الهلال، تبادل لعب الكرة معه في سبيل إقناعه للخروج، إلا أنه تمسك بالبقاء أيضًا.
وفي لفتة إنسانية طيبة من لاعبي الهلال، قاموا باصطحابه إلى منتصف الملعب وقدموا له الكرة، وهو ما منحه شعورًا كبيرًا بالسعادة وقرر بعدها الخروج من الملعب بكامل إرادته.
ما أثار إعجاب الجماهير الذين قاموا بالتصفيق بحرارة كإشادة بتصرف لاعبي الهلال مع الطفل.
وأشعل الموقف الإنساني، تفاعلاً كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، في عدم إجبار الطفل على الخروج من الملعب، والتعامل معه بروح طيبة وود واضحين.
وقالت شقيقة الطفل سعود العصيمي، البالغ من العمر عشر سنوات، إن هذا الموقف أثر بشكل إيجابي على شقيقها؛ حيث إنه كان فرحًا بالكرة التي حصل عليها من لاعبي الهلال.
وأكدت أنه ظل حاملاً الكرة طوال الوقت منذ انتهاء المباراة، مشيرة إلى أنه رغم إصابته بمتلازمة داون إلا أنه يتفاعل بشكل كبير مع المجتمع باستمرار، الموضوع لايتوقف على أي بلد أو جنسية أو شخص معين، الأمر يتعلق بخلق انساني على أن يثبت الشخص أنه انسان وليس مجرد كائن حي يمارس مافرضته الطبيعة فحسب.
وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوسا كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها.
اضافةتعليق
التعليقات