يبدو من المناسب تحدید الكيفية التي تمكن عن طريقها الامام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من تحقيق أسس الأمن الاجتماعي في عهده لمالك بن الحارث الاشتر (رضوان الله تعالى عليه).
وسوف يتم التعرف على اسس الأمن الاجتماعي والكيفية التي استطاع العهد العلوي أن يلبيها بأدق تفاصيلها عن طريق:
1. العلاقة مع الآخر المختلف في نصوص العهد والتجربة العلوية بشكل عام.
2. كيفية توزيع الفيء.
3. عمارة الأرض و استجلاب الخراج.
4. تعامل الوالي مع الرعية.
5. النظر بعدل وبدون تحيز لجميع صنوف المجتمع من تجـار وصناع وعمال.
6. كيفية تنظيم العقوبات والاجراءات الجزائية.
إن الانحراف في قيادة التجربة الإسلامية بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحل بمرور الزمن إلى نظرية وقواعد في الحكم استقرت بشكلها الأكثر انحرافا في أيام خلافة عثان، فكان الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليـه) يمثل الاتجاه الآخر والصحيح وقد برز هذا الأمـر جليا أيام خلافة عثمان عندما دخل الإمام (عليه السلام) في صراع مكشوف وعلني معه ليثبت للامة محتوى وأسس وأخلاقیات نظريته في الحكم الإسلامي وقيادة التجرب. وكانت الأمة مهيئة أكثر من أي وقت مضي للإحساس بحقيقة الأمور وحقيقة الاختلاف بين منهج الخلفاء ومنهج الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في رؤية الإسلام ووعيه وقيادة تجربته في الحكم والخلافة، لكن هذا التهيؤ من قبل الأمة كان بحاجة إلى كثير من الصقل والتدريب لكي يتحول من مجـرد معرفة ونظر إلى موقف عملي ونفسي لتحمل أعباء ذلك الوعي فيما يتطلبه من مواقف وحزم وصبر على المشاق.
سواء في جانب التصدي للانحراف وتحمل النتائج أو في جانب الصبر على التطبيق الجديد للإسلام فيا يقرره المنهج الآخر من زهد في الدنيا وعدالة في التوزيع والحكم والنظرة المتساوية لجميع فئات المجتمع قد لا تصبر عليها النفوس التي درجت وأشربت إتباع المنهج السابق الذي اعتبره الحكام السابقين وتحول إلى ميوعة مطلقة في التعامـل مع الحدود والأخلاق الإسلامية زمن حكومة عثمان.
ولهذا قال الإمام (عليه السلام) خاطبا الأمة: «أنا لكم وزير أخيرا مني لكم أمير...» أي أن أكـون بعيد عن القـرار «وزير» خير وأفضل من أكون في موقع القـرار والمسؤولية «أميره إذ أن الموقع الثاني يستبطن إصدار الأوامر والقرارات الصعبة التي تتطلب قاعدة بشرية واعية ومطيعة قد وطنت نفسها على خوض غمار الصعوبات، وعلى هذا الأساس فإن بيعتكم لي يجب أن تكـون بيعة قد أخذت في حسابها جميع. هذه الأمور وإلا "فأنا لكم وزير خير مني لكم أميرا".
وقد قبلت الأمة شروط الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) بعد أن بلغ الإصرار أشده على الإمام في قبـول الخلافة وكان مقتضی هذا القبول قبول المنهج الجديد في العمل السياسي والاجتماعى والإداري، وكانت خلافته (عليه السلام) بداية عهد جديد ونقطة تحول في الخط الذي وجد بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد تولى الامام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليـه) الخلافة في أعقاب المشاعر الثورية التي تأبت ضد عثمان بن عفان والتي نتج عنها مقتلـه، والمسلمون وقتئذ كانوا في مرحلة تصاعد المعنويات وارتفاعها، وفي لحظة زخم ثوري سلیم باتجاه القضاء على الانحـراف ومحاولة بناء تجربة إسلامية صحيحة، وكان الإمام امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) بصدد استثارة هذه الحالـة وتوظيفهـا في بناء المجتمع الجديد.
فالمهمات التي كانت أمام الإمام تحتاج إلى هذا النوع من الطاقة الحرارية والوعي وبدونهما لا يمكن خوض غار الجهاد لإعادة بناء المجتمع والدولة، الأمر الذي لا يسمح بمهادنة معاوية وإبقاء الباطل ولو مؤقت، لا مهادتنه تعني قتل هذه الروح لما تؤديه من الشك في حقانية الإمام ومبدئيته.
لقد جاء الإمام (عليه السلام) وهو بصدد القضاء على مظاهر الفساد الحكومي والإداري الذي خلفه معاوية في الدولة والمجتمع الإسلامي، واجتثاثه مع جميع تأثيراته وجهازه الإداري الفاسد، سلطته وإسباغ المشروعية على نظامـه الحكومي والإداري وهذا يتناقض مع ما كان يستهدفه الإمام من إضعاف موقف معاوية وصولا إلى إزالته من أن يدرك الناس حقيقة المعركة بينه وبين معاوية.
اضافةتعليق
التعليقات