الإدمان هو اعتياد مرضي للإنسان على سلوك أو عقار معين أو مادة مخدرة إلى درجة وصول تأثير ذلك الاعتياد إلى كل سلوكياته اليومية مع الشعور بالعوز وعدم القدرة على الاستغناء، وحين يتعذر على المدمن ممارسة ما أدمن عليه لأي سبب من الأسباب فإنه يشعر بتعكر المزاج، ويصبح همه الوصول إلى ما أدمن عليه بقطع النظر عن الأضرار والسلبيات المترتبة عليه.
إذن نحن نتحدث عن نوعين من الإدمان: إدمان تناول شيء معين، كالمواد المخدرة، وإدمان سلوك وفعل شيء ما، وإلى هذا الأخير يعود إدمان استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية والدخول على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن رنين كلمة إدمان هو رنين مزعج بسبب دلالته الخطيرة، وبسبب التجربة الإنسانية السيئة معه، لماذا كان الإدمان خطيراً؟
سوف تتضح مخاطر الإدمان بشكل أوضح حين نتحدث عن علاماته وأعراضه، لكن أستطيع أن أقول هنا: إن مجرد شعور الإنسان بالعوزالممارسة سلوك معين هو نوع من القهر له والضغط على إرادته والتي ينبغي أن تكون حرة طليقة، كما هي الفطرة وكما هو شأن الإنسان السليم، كما أن للإدمان مشكلة كبرى، تتمثل في ذلك الخلل الذي يذهب بالتوازن الشخصي للمدمن، فالواحد منا في حاجة إلى النوم والطعام والرياضة والتحدث إلى الآخرين، كما أن عليه عبادات مفروضة وواجبات ومسؤوليات تجاه أسرته وكسب رزقه، الإدمان يخفي عن وعي المدمن أحاسيسه بكل ما ذكرناه لصالح ما يتطلبه الإدمان من سلوكيات وتصرفات، هذا يعني أن حياة المدمن هي حياة فوضوية وفقيرة بمعاني الالتزام والإنجاز والتوازن، ومن هنا كان الوعي بهذه المشكلة من أولويات المربين والمربيات.
السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو: إلى أي حد صار إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة مؤرقة؟
أود أن أقول في البداية: إن الإدمان على الإنترنت يرتبط بعاملين أساسيين هما: المدة الزمنية التي يقضيها المستخدم على الإنترنت يومياً، فمقدار تلك المدة يشير إلى مدى تمكن علة الإدمان منه، أما العامل الثاني فهو مدى سيطرة الموضوعات التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي على وعيه واهتماماته، فمن أفق هذين المؤشرين الكمي والنوعي تتضح درجة الإدمان لدى الشخص.
في سياق الاهتمام بمعرفة مدى انتشار الإدمان على وسائل التواصل قامت مؤسسة بريطانية معنية بالأطفال بدراسة على عدد من الأطفال، فتبين أن نحواً من ٤٠% منهم عبر عن خشيته من أن يكونوا مدمنين على تصفح المواقع الإلكترونية.
ونشرت صحيفة ديلي ميل البريطانية في أغسطس من عام ٢٠١٥ دراسة أشارت فيها إلى أن نحواً من ٤٠٠ مليون شخص حول العالم يعانون من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي.
في دراسة أخرى حول إدمان الإناث على النت تبين أن اللواتي يخشين منهن فقدان الهاتف أو نسيانه أعلى من نسبة الذكور، حيث أشارت الدراسة إلى أن %۷۰من النساء مدمنات هاتف و ٣٦٪ منهن لديهن ميول لامتلاك أكثر من هاتف واحد، وتزداد نسبة الإصابة بهذا الإدمان لمن هم في أعمار ١٨ - ٢٤.
تقول إحدى الفتيات في تجربة شخصية في ذات يوم حاولت فرض حظر على بعض رفيقاتي، وطلبت منهن وضع هواتفهن جانباً لمدة نصف ساعة فقط، وكانت النتيجة هي الرسوب المدوي في الاختبار حيث كنت أكثر من صموداً، مع أني صمودي لم يستمر أكثر من عشر دقائق !
نعم إن إدمان استخدام الهواتف الذكية يحول حياة المدمن إلى ساعات انتظار، إنه ينتظر شيئاً ما، ويتلهف إلى معرفته مثل تلهف الطالبل معرفة نتيجة امتحانه، مع أن المدمن يدرك في قرارة نفسه أن ما ينتظره لن يكون مهماً، وسواء رآه الآن أو بعد ثلاث ساعات لا فرق في ذلك، لكن من طبيعة الإدمان أنه يجعل سلوكياتنا من غير معنى ولا منطق!
لا شك لدي اليوم أن نسبة المدمنين على وسائل التواصل الاجتماعي في ازدياد، وأن التعافي من هذه العلة يحتاج إلى وعي وإرادة، يفقدهما كثير من المدمنين.
قد صدق من قال: إن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي قد فاق الإدمان على الكحول والمخدرات والقمار، والسبب هو الهاتف الذكي الذي بات يلازمنا كملازمة الظل للشخص.
ما علامة الإدمان ؟
نحن هنا نتحدث عن إدمان الهواتف الذكية وتطبيقاتها، كما أننا نتحدث عن إدمان الألعاب الإلكترونية وكذلك الدخول على مواقع التواصل مثل تويتر وفيس بوك، إذ إن علامات الإدمان على هذه مجتمعة واحدة، ومنها:
١- الشعور بالانزعاج والقلق الشديدين في حالة البعد عن الهاتف الذكي.
٢- المدمن يتفقد هاتفه الذكي يومياً بكثرة قد تصل في بعض الحالات إلى ٣٠٠ مرة.
٣- الشعور بالسعادة عند استخدام الهاتف المحمول، وبعضهم يشعر بالسعادة بمجرد النظر إليه.
٤- يميل المدمن إلى العزلة، وكثيراً ما يترك جلسة عائلية ليخلو بأصدقائه الافتراضيين، وليشاهد ما يكتب على مجموعاته على الوتساب والتيلجرام والفيسبوك.
٥- يلازمه الهاتف الذكي ملازمة شديدة فهو ينظر فيه وهو على طاولة الطعام وفي وسائل النقل وأثناء قيادة السيارة.
اضافةتعليق
التعليقات