الكثير من الرسائل والبريد والصور والفيديوهات تتبادل بشكل يومي بين الأفراد ونقع في دوامة عدم القدرة على حذف الرسائل الواردة لصندوق بريده الإلكتروني، أو عانى من ضيق مساحة الهاتف الذكي أو الحاسوب الشخصي بسبب تجاوز كمية الصور ومقاطع الفيديو حدود "ذاكرة السحابة" المتاحة.
اتفق معظم المتخصصين في السلوك وعلم النفس على أن هذا لا يمثل مشكلة في حد ذاتها، ولكن عندما يتحول الأمر إلى "اكتناز رقمي"، فإنه يمكن أن يؤثر سلبا على حياة الإنسان، ويجعله عرضة للمعاناة من اضطرابات التوتر والقلق وحتى الاكتئاب.
الاكتناز الرقمي
هو داء الامتلاك المفرط ورفض حذف المواد الألكترونية والبيانات الرقمية أو التردد حيال حذفها مما يولد شعور بالتوتر والقلق .
ظهر مصطلح “الاكتناز الرقمي” لأول مرة عام 2015 في ورقة بحثية عن رجل هولندي يلتقط آلاف الصور الرقمية يوميا ويقضي ساعات طويلة في تعديلها على الكمبيوتر، ويذكر القائمون على الدراسة التي نشرتها Human and Social Sciences إنه “لم يستفد من تلك الصور البتة ولم يطّلع عليها، لكنه كان مقتنعاً بأنه لا بد من أن يكون لها نفع في المستقبل".
لم يميز الأطباء داء الاكتناز الرقمي عن الوسواس القهري عموما إلا في عام 2013.
حيث اعتبر أحد أعراض اضطراب الوسواس القهري، وهو اضطراب عقلي وسلوكي يؤثر على ما يتراوح بين 2% و4% من سكان العالم..
فمع تغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان، وقدرة ذاكرة الحاسوب والهواتف على تخزين المعلومات دون تكلفة مادية كبيرة، ظهرت نسخة أحدث من النمط النفسي للاكتناز وعدم القدرة على التخلي عن المعلومات، وفقا لموقع "يو سي إل إيه هيلث".
لذلك يقوم المكتنز الرقمي بتجميع رسائل البريد أو الصور أو المقالات أو الملفات الصوتية، أو أي نوع من المحتوى الرقمي الذي يعتقد أنه قد يرغب في حفظه أو استخدامه في المستقبل.
ولكن لا يتحول الأمر لاضطراب نفسي يؤثر على الصحة العقلية إلا عندما يبلغ مستوى حادا يتداخل مع جودة حياة الشخص ويصيبه بالإرهاق.
هل أنت مكتنز رقميا؟
لتتمكن من الإجابة عن سؤال “هل أنت مكتنز رقمي”، يجب عليك التعرف على أعراض هذه المشكلة، والتي تتمثل في ما يلي:
- الإصرار على تخزين البيانات على الأجهزة الإلكترونية على الرغم من عدم وجود مساحة كافية للتخزين على الجهاز.
- الشعور بالخوف، والقلق عند الرغبة بالتخلص من البيانات التي يحفظها الفرد على أجهزته الإلكترونية.
- تحول الأجهزة الإلكترونية إلى متاهات بسبب فوضى البيانات المخزنة فيها.
- تأجيل عملية التخلص من البيانات الإلكترونية بسبب الخوف من فقدانها، أو ضياعها.
أنماط الشخصيات المصابة بالاكتناز الرقمي
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الناس للاكتناز في الفضاء الإلكتروني، وبحسب مقال نشره موقع "إس نورتون" تُصنف أنماط الشخصيات المصابة بهذا السلوك كالتالي:
1- المكتنز القلق
لا يحب المكتنز الرقمي القلقُ التخلص من الفوضى الرقمية الخاصة به. وكما يشير اللقب، فإن مسح شيء ما يثير لديه توترا شديدا نحو المستقبل، لذلك يحتفظ بكل شيء لأن هذا يمنحه شعورا بالراحة والسيطرة.
2- المكتنز المطيع
المكتنز الرقمي المطيع ليس مكتنزا للبيانات باختياره، إذ غالبا ما تكون بروتوكولات مكان العمل أو الهياكل التنظيمية التي ينتمي لها هي التي تجعله يحتفظ بالأشياء لإثبات مهامه وإنجازاته.
وعادة، لا يكون للمكتنزين الرقميين المطيعين أي ارتباط عاطفي بالفوضى الرقمية التي يحتفظون بها، ومع ذلك قد تسبب لهم التوتر والضيق.
3- المكتنز المنفصل
المكتنز الرقمي المنعزل أو المنفصل لا يعرف ما يجب فعله بكل الفوضى الرقمية لديه، فهو ليس منظما في المقام الأول، ويشعر بالكثير من الضغط النفسي بسبب حياته الرقمية الفوضوية ويتكاسل عن تنظيمها.
التأثير السلبي للاكتناز الرقمي
وذكر موقع إس نورتون بعض التأثيرات السلبية للاكتناز الرقمية، ومنها:
- تقليل كفاءة الأجهزة: كلما زاد عدد البيانات التي يتعين على حاسوبك أو هاتفك الذكي إدارتها، زادت صعوبة استخدامه، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء أجهزتنا. وهذا بدوره يجعلنا أقل إنتاجية وأكثر استثارة وقابلية للانفعال بسبب بطء تلك الأدوات عند الاستخدام.
- ارتفاع المخاطر الأمنية: كلما زاد عدد البيانات التي نحتفظ بها، زاد احتمال التعرض للخطر في حالة وقوع حادث يتعلق بالأمن السيبراني عند اختراق أجهزتنا الذكية، أو حتى وقوعنا ضحية للسرقة نتيجة لتراكم المعلومات الحساسة والمحتوى الشخصي عليها.
- تقليل الإنتاجية والتأثير على النشاط الذهني: يمكن أن يصبح التخزين الرقمي أمرا سهلا، لأن الإنترنت وخوارزمياته تسهل علينا العثور على الأشياء. كل ما يتعين علينا فعله هو إدخال ما نريده في شريط البحث، وتحميل ما نرغب من محتوى، ومع ذلك ليس من السهل تحديد موقع جميع بياناتنا الرقمية. لذا فإن غربلة وتصنيف هذه الفوضى أمر غير منتج، وعندما يتعلق الأمر بمكان العمل، فهو مضيعة للوقت والجهد النفسي والعقلي.
- التوتر والضغط العصبي: كلما زاد عدد البيانات المخزنة عند الشخص، زادت حاجته للتحكم فيها. وإذا كان الشخص غير منظم، فمن المحتمل أنه سيفقد السيطرة بسرعة ويُعاني من التوتر، مما يؤثر سلبا على الصحة النفسية والعقلية.
ولا يقتصر الأمر على أن سطح المكتب الفوضوي يثير أنماط التوتر نفسها التي تثيرها المساحة المادية غير المرتبة فحسب، بل يمكن أن يسبب التوتر عند البحث في آلاف الملفات للعثور على ما نريد.
وتقدر إحدى الدراسات أننا نضيع 55 دقيقة يوميا في البحث عن الأشياء المفقودة في الفوضى الرقمية. هذا المستوى المستمر من التوتر يهدد الصحة العقلية والنفسية، وفق موقع "هاربرس بازار .
أسباب الاكتناز الرقمي
إذا كانت إجابتك عن سؤال “هل أنت مكتنز رقمي” هي نعم، لا بد من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى معاناة الفرد من هذه المشكلة، حيث تشمل هذه الأسباب ما يلي:
- التوهم بأن كل ما يحتويه الجهاز الإلكتروني من بيانات مهم جدًا، حيث بعتقد الفرد أنه سيحتاج إلى هذه البيانات في المستقبل.
- التعلّق ببعض البيانات الإلكترونية لأنها تحمل معنى عاطفي، وبالتالي يشعر الفرد بصعوبة التخلص منها.
- الشعور بالأمان، والراحة النفسية لمجرد تواجد هذه البيانات الإلكترونية على الجهاز.
- التنظيف الرقمي الموسمي لتعزيز السلامة النفسية
- ومثلما هناك مواسم يفضل فيها الكثيرون إعادة ترتيب مقتنياتهم أو مستلزماتهم المنزلية لكي يبدؤوا فترة جديدة بنفس منتعشة وشعور أخف، هناك عملية مماثلة للمقتنيات الرقمية لا تقل أهمية في تحقيق السلام النفسي والصفاء العقلي، أي يمكن أن يكون للتنظيف الرقمي تأثير حقيقي وإيجابي عندما يتعلق الأمر برفاهية الإنسان.
- وأبلغ 59% من المشاركين في دراسة علمية أميركية عن شعورهم بالإيجابية نتيجة للقيام بإعادة ترتيب ملفاتهم الرقمية، ووصفوا أنفسهم بأنهم يشعرون بأنهم "منتجون" و"منجزون" و"مرتاحون" بعد التخفيف مما اكتنزوه رقميا في أجهزتهم الذكية المختلفة.
- وأظهرت الأبحاث أنه نظرا لأن الاكتناز غالبا ما يرتبط بالقلق وانعدام الأمن، فإن معالجة مصدر هذه المشاعر السلبية قد تخفف من المشكلة، وفق مجلة "كوزموبوليتان.
علاج الاكتناز الرقمي
يُعتبر الاكتناز الرقمي مشكلة كبيرة، ويجب على الفرد الذي يُعاني منها اتباع العديد من الخطوات للتخلص منها، وتشمل هذه الخطوات ما يلي:
- التمييز بين البيانات الضرورية التي تحتاج إلى الحفظ، وبين البيانات غير الضرورية والتي تأخذ مساحة كبيرة على الجهاز الإلكتروني.
- تفقّد البريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر للتخلص من الرسائل غير المهمة.
- التخلّص من الملفات القديمة التي لن يحتاجها الشخص في المستقبل.
- تطوير مهارة اتخاذ القرار، حيث يجب على الفرد اتخاذ قرارات سريعة تتعلق بحاجته إلى البيانات.
- تقليل عدد الملفات الموجودة على سطح المكتب في الحاسوب، أو الشاشة الرئيسية في الهاتف المحمول، حيث يستطيع الفرد إنشاء ملفات ثانوية تحتوي على ملفات فرعية.
اضافةتعليق
التعليقات