قبل عدة سنوات كانت كلمة ومفهوم “المؤثر” تُطلق على قائد أو مفكر أو مثقف، لأن دورهم الطبيعي هو التأثير في الناس، وتغيير القناعات والتوجهات والأفكار من أجل توجيه المجتمعات نحو التغيير الإيجابي أَما في أيامنا هذه، فقد انفلتت المعايير والمفاهيم بشكل كبير.
ولم يعد التأثير هو ذلك التأثير مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبح تصفح مواقعها جزءا لا يتجزأ من أنشطتنا اليومية، وظهور ما يعرف بـ«المؤثرين» (أو الإنفلونسرز)، الذين يحاولون التأثير فى متابعيهم لشراء منتج ما أو تجربة خدمة، لتكون هناك بيئة خصبة للمعلومات المغلوطة التي تبدأ من قلب المجتمع وهو فئة المراهقين الشريحة الأكبر من المتابعين حيث ان أغلبهم اصبحوا يأملون بأن يغدوا مؤثرين يوما ما، فلا يثق الشباب في المؤثرين فحسب، بل يريدون أن يغدوا مثلهم، لذا لا بد من أن نعي ما هي أكثر أنواع المعلومات المغلوطة والمضللة التي يعج بها محتوى المؤثرين، لنكون أكثر قدرة على تمييزها وحماية أبنائنا منها.
لافت لكنه فارغ ..
إن الأعداد الهائلة من الأشخاص المؤثرين الآن ليسوا جميعا على قدر من الوعي الذي يمكنهم من أن يضعوا المتابعين ومصالحهم نفسيا أو صحيا أو اجتماعيا نصب أعينهم، بل يسعى معظمهم نحو الكسب السريع، بأي وسيلة كانت، ولمجرد مثال بسيط في العراق بات أغلب المؤثرين من فئة المراهقين حاليا الذين لايعون سوى لغة أعداد المتابعين وكمية المال الذي سيعود عليهم ولايهتمون لنوع المحتوى الذي يطرحونه، على سبيل المثال إحدى من يقال عليها مؤثرة ويتابعها ملايين الأشخاص، قد صرحت وللسنة الثانية على التوالي في رسوبها بنفس الصف الدراسي وهي لا تحمل أي أهمية للموضوع وربما قد تترك الدراسة رغم أنها تعيش مع والدتها وتشجعها على النشر ومواصلة ماهي تفعل على عكس المفروض أنها تهتم بدراستها أكثر من أي شيء آخر.
إذن كيف ستكون نظرة من يتابعها لموضوع الدراسة إن كان بعض المراهقين اتخذوها قدوة، فهي تسعى لتكوين قاعدة جماهيرية لتنشر الاعلانات وتجني الأموال دون النظر لصحة المعلومة وحقيقة هذا المنتج الذي تروج عنه فهي جميلة بطبيعة الحال ولاتحتاج كل هذه المنتجات ففي النهاية هو مجرد ترويج وهمي تكسب من خلاله المال ولا أهمية لحقيقة المعلومات أو التأكد منها قبل الطرح بل يغدو التحقق والتدقيق في المعلومات التي يطرحونها معيقا لتقدمهم، فهي بطاقتهم نحو الانتشار السريع.
بماذا يحلم مواليد التواصل الاجتماعي؟
في عام (2020) نشرت المؤثرة ناتاليا تايلور والتي تمتلك ما يقارب2.28مليون متابع على YouTube، سلسلة من الصور على إنستغرام بدت وكأنها صور لإجازة فاخرة في منتجع بإندونيسيا، ولكن الحقيقة كانت، كما أوضحت هي لاحقا، أن هذه الصور تم التقاطها في الواقع في متجر Ikea، وأوضحت نتاليا، "هذه الصور كانت جزءا من خدعة قمت بها لأظهر للناس أن الحياة على الإنترنت ليست دائما كما تبدو خاصة في هذا اليوم وهذا العصر حيث من السهل جدا التظاهر بأنك أي شخص تريد أن تكونه".
حيث إنه بكل بساطة يسعى أغلب المؤثرون دوما للترويج لنمط حياة فارهة، لجذب أولئك الذي يتمنون أن يكونوا مكانهم يوما ما، كما يساعدهم هذا في خلق صورة نموذجية يحلمون بها، أو أنهم يفعلون ما يفعلون من منطلق نقص الوعي والمسؤولية الاجتماعية فقط.
ولأن الشريحة الأكبر من المتابعين هم المراهقين أكثر من أي فئة عمرية أخرى وغالبا ما يكون ذلك مع غياب الرقابة من الأهالي، فهم يعدون الأكثر عرضة من غيرهم للتأثر إذ إنهم في مرحلة الغرس الثقافي، وبلورة مبادئهم، بل تعدت إلى الترويج لنموذج الطفل الإنفلونسر الذي يقلد الكبار، إضافة إلى استغلال البعض لأبنائهم في هذه الصناعة من أجل المال، وهو شيء كارثي ومأساة أن يتربى جيل على هذا الوهم والتيه، وسواء أدرك جمهور من يتابعون الإنفلونسرز أم لا فإنهم في الحقيقة مجرد رقم اقتصادي وواجهة إعلانية يستخدمونها في حساب الأرباح.
رغم أن حياتهم ليست دائما كما تبدو، فالظاهرة لم تعد مجرد عرض للمنتجات ولأسلوب حياة كل فرد فيها، بل صار الأمر أيديولوجيا تفرض نفسها، وتسعى لبث قيم ومعتقدات جديدة بأسلوب جذاب وغير أخلاقي يبدأ من الملابس وينتهي بالألفاض، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى نحر الثقافة الوطنية أمام تزايد الأيديولوجيا الأقوى الساعية لفرض نسق واحد من القيم حتى ولو تعددت أشكالها.
اضافةتعليق
التعليقات