إن مواجهة الحياة هي مواجهة الناس، ومواجهة الناس تحتاج إلى فطنة، والفطنة شيء أعلى من الذكاء، الفطنة هي رؤية كلية شاملة والفطنة ليست نشاطا ذهنياً فحسب ولكنها أيضا نشاط وجداني، بل هي في المقام الأول نشاط وجداني، أي ما يسمى بذكاء العاطفة أو ذكاء الوجدان، فأنت لا تتعامل مع الناس بالحسابات الذهنية البحتة، بل تتعامل معهم بقلبك وإحساسك ومشاعرك، تتعامل معهم بوجدانك ونجاحك في التعامل مع الناس يتوقف على مدى ذكائك الوجداني أو بتعبير أدق فطنة وجدانك فهناك وجدان غبي ووجدان فطن ووجدان بليد وخامل، ووجدان نشط ومتحرك ووجـدان منطفئ ووجـدان يشع بالدفء والحب، وجـدان سطحي ووجدان ناضج.
والوجدان هو الذي يعطي القيمة الإنسانية الحقيقية للإنسان، فهناك إنسان من ورق أو من صفيح وهناك إنسان آخر من أغلى المعادن النفيسة كالذهب والفضة أو أكثر قيمة، هكذا يمكن تقسيم البشر الذين تواجههم في حياتك، رخيص وغال، تافه وناضج، مـتـدن ورفيع المقام، رديء وجـيـد، حـقـيـر وعظيم، واختصارا أو إجمالاً لكـل ما سبق يمكن تقسيم البشر على النحو التالي بشر ذوو وجدان غبي وبشر ذوو وجدان فطن.
والوجدان هو وسيلتك للوصول إلى الناس والتأثير عليهم، لا تفاعل إنساني إلا من خلال نشاط وجداني، الوجدان هو الذي يحب ويكره ويغضب ويسخط ويتألم ويفرح ويحزن ويتحمس ويفتر، ويستحسن ويشمئز، ويفخر ويشعر بالخزي والعار ويخاف ويتشجع. كل تلك نشاطات وجدانية يتحقق من خلالها اتصال ما بالبشر في محيطك.
والانفعالات الطارئة ليست هي الوجـدان بل هي مـوجـات وفورات مصدرها الوجدان الذي يتأثر لحظيا بمواقف معينة، أما الوجدان فهو الحالة الشعورية المستقرة والثابتة معظم الوقت والتي تميز شخصية الإنسان أو تميز الجانب العاطفي أو الجانب الإنساني في شخصيته.
أنت إنسان لأنك تملك وجدانا نشطا، وإنسان معناه القدرة على العيش والتفاعل مع إنسان آخـر، إنسانية الإنسان تتحقق من خلال وجود إنسان آخر، فالإنسان لا إنسان بدون وجود إنسان آخر أمـا صـاحب الوجدان الغبي فلديه علاقات إنـسـانيـة مضطربة، لديه صعوبات جمة في الحياة.. دائما في حالة مواجهات حادة مع الناس، هو إنسان تعيس وهو أيضا مصـدر لتعاسة الآخرين أمـا فطن الـوجـدان فـهـو ذلك الإنسان الذي يتمتع بعلاقات إيجابية ثرية ومشبعة مع الناس.
هو ذلك الإنسان الدافئ المشع المؤثر المقنع، هو ذلك الإنسان الهادئ المتزن المستقر الذي يوحي بالثـقـة والطمأنينة، هو الإنسان الذي يصل إلى أهدافـه ويـنجـز ويبدع ويضيف، إنه الإنسان صاحب الضمير اليقظ والقلب العطوف والصدر المتسع المنشرح واليد الحانية والقدم التي لا تسعى إلا للخير، إنه الطاقة والقوة والحيوية والنشاط، إنه الصدق والشجاعة والأمانة والإخلاص والوفاء إجمالاً إنه الإنسان الحقيقي. إذن التفاعل الصحي المثمر المشبع الجـالب للسعـادة مع الناس لا يكون إلا من خلال فطنة الوجدان.
اضافةتعليق
التعليقات