إذا كنت في الصحراء ولا تمتلك الماء فما الذي سيجعلك تستمر بقراءة هذا المقال؟ حتماً لا شيء فلن تهتم للمقال ولا أي شيء آخر عدا الحصول على الماء، وسيكون البقاء على قيد الحياة هو دافعك الرئيسي لتلبية غريزة البقاء البشرية.
ولكن بعد حصولك على ماء فلن يعود محفزاً، وهذه واحدة من أعظم الرؤى في مجال الدوافع البشرية فالاحتياجات التي لُبيت ليست محفزة ولن تعود محفزة، فالاحتياج العاطفي هو أهم والاستقرار النفسي هو أهم احتياجات الروح هو أن تكون مفهوماً ومقبولاً ومُقدراً.
وإن الانصات العاطفي هو ما يحتاجه الإنسان على مدار حياتهِ وبالتالي يجب أن يقدمهُ كما يحتاجه هو والشخص المقابل من الأطفال والأخوة وذوي الأرحام من الأم والأب فالاستماع والانصات الانعكاسي بنية الرد هو ليس سوى ردة فعل سلوكية لا تُعتبر إنصاتاً عاطفياً بنية الاحتواء الروحي للمقابل الذي يعتبر رصيد عاطفي وبنك من المشاعر إن قدمتها لأبويك ستعود عن طريق أبنائك أو أشخاص آخرين فحتماً ستصل لتلك المرحلة التي تحتاج فيها هواءً نفسياً.
فإن السعي لمحاولة الرد فقط أشبه بطبيب كتب وصفة طبية اعتماداً على اسم المريض دون تشخيصه طبياً، فأغلب الحواريات والمحادثات والردود بين الأفراد باتت كتلك الوصفة التي كُتبت دون تشخيص بالتالي فإن الكلمات غير المدروسة سيكون تأثيرها واضحاً بمرور الوقت والاستماع الذي لا يحمل التفاعل العاطفي هو كلام سيؤول لموت العلاقة بين الطرفين كما نرى التباعد العاطفي والفجوات التي بين الآباء وأبناء هذا الجيل نتيجة للإنصات بنية الرد لا بنية الفهم بالتالي فإن الطفل سيصل لمرحلة البحث عن مُنصت عاطفي رغبة في الاحتواء الذي لم يجدهُ في عائلتهُ وإن هذه المشكلة تُعد جوهرية في العوائل حديثاً لأن الأم باتت تمسك هاتفها وهي تتكلم مع أولادها والعكس صحيح فإن أبسط أنواع التواصل وهو التواصل البصري بدأ ينقرض رويداً رويداً ولهذا شدد الرسول (صلى الله عليه وآله) فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولد بار نظر إلى أبويه برحمة إلا كان له بكل نظرة حجة مبرورة، فقالوا: يا رسول الله وإن نظر في كل يوم مائة نظرة؟ قال: نعم، الله أكبر وأطيب)1.
وفيه قول السجاد (عليه السلام): (نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة)2.
وإن التواصل البصري هو أحد مقومات الانصات العاطفي الذي تتبعهُ إضافات أخرى ومقومات أخرى كتسخير ولو جزء من جوارحك وقلبك للاستماع، كلمات الحوار شيء وما خلف هذه الكلمات شيء آخر، والنبرة ولغة الجسد وعلو الصوت ثم انخفاضه عند حدث معين أو نقطة معينة ولتركيز ولو بشكل بسيط على هذه التفاصيل حينها يُعد انصاتاً عاطفياً.
اضافةتعليق
التعليقات