تزدهر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشخصيات استطاعت أن تحقق شهرة كبيرة بين أوساط المتابعين والمعجبين، فمنهم من يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ومنهم استطاع أن ينقل شهرته إلى أرض الواقع.
فقد اختلفت التسميات بين صانع محتوى ومؤثر وناشط، ولكل واحد منهم لونا خاصا به يميزه عن غيره سواء من ناحية الأفكار أو التقديم، فهنالك من استغل موهبته وحاول استعراضها في الصفحات وهنالك من نقل جزءا من مهنته إلى العالم الافتراضي وأصبح يتعامل مع الناس في العالم المجازي مثلما يتعامل معهم في العالم الواقعي.
وهنالك فئة معينة من الناس وجدت سببا مهما لتواجدها على مواقع التواصل ألا وهي خدمة الناس وتوجيههم إلى الصلاح والرشاد، ونشر العلم والمعرفة ونقل الفائدة إلى المجتمع بصورة عامة دون تقيد أو حاجز.
فقد تنوعت الصفحات بين العلمية والدينية والثقافية وحتى السياسية والاقتصادية، ولكن بجانب الصفحات المفيدة هنالك صفحات تديرها شخصيات مؤثرة جدا تحاول أن تغير من واقع المجتمع وتجد نمطا جديدا للحياة الاجتماعية في العالم العربي، ومن أبرزها هي الصفحات التي تقدم نصائح أو نمط لأسلوب حياة مختلف يتعلق بالحياة الزوجية، أو تربية الأطفال.
وشخصيا شاهدتُ نساء مؤثرات جدا ذوات قواعد جماهيرية كبيرة هدفها الأول هو مخاطبة أهم عنصر في المجتمع ألا وهي المرأة، ولأن الجميع يعرف بأن تغيير المجتمع ينبع من تغيير أهم عنصر فيه لهذا السبب نجد الخطابات التي تهدف إلى التغيير المجتمعي غالبا ما تكون موجهة إلى المرأة، وذلك لما لها من تأثير قوي على الرجال ولأنها المسؤولة عن صناعة الانسان وتربيته.
ولأن المجتمع الإسلامي كان ولا يزال مستهدفا من جهات كثيرة فبالتأكيد لن يغفل العدو عن هذه الحقيقة، فمادام يعرف جيدا بأن المرأة تمثل الأساس القوي الذي من خلاله يبنى المجتمع إذن هي المسؤولة أيضا عن هدمه وقيادته إلى الهاوية.
فمع وجود النماذج الجيدة التي تعزف على وتر الحق هنالك نماذج سلبية لا تعزف على الوتر فقط إنما تدق على طبول الباطل بطريقة خبيثة ومستترة.
ولعل أسهل طريقة يمكن من خلالها توجيه المجتمع إلى الضلال والهاوية هو استخدام عناصر مؤثرة في المجتمع لدس الأفكار والعقائد الخاطئة بلباس الحداثة والعصرنة والتطور!
فهنالك أشخاص يقدمون محتوى ظاهره هو محتوى توعوي لخلق حياة زوجية مستقرة وهادئة، تحمل مفاهيما عن حياة مثالية لا تتوافق مع الاضطرابات وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الذي تعيشه العوائل، بل وتبين للمرأة بأن لها الحق على الرجل في تفاصيل لم تكن المرأة تعير لها الاهتمام سابقا، كأن يعاملها بكذا طريقة ويتحدث معها بكذا أسلوب ويجلب لها كذا حاجة... الخ.
وتشجع المرأة على الحساب المستمر والنكد، وعدم الغفران ومسامحة الرجل والتركيز على الأخطاء والزلات التي تبدر من الطرف الآخر وتفسير التهاون في بعض المسؤوليات الجانبية على أنها اهمال واستغلال للمرأة.
فتنزع مفهوم المودة والعاطفة من طبيعة المرأة الانسانية التي فطرها الله عليها وتحاول زرع الاستغناء والاستقلال في كينونة المرأة العصرية.
فتبدأ المرأة بالتدقيق في تفاصيل لم يكن محل اهتمامها، فيعلو على أثره سقف توقعات المرأة، بحجة أن هذه اأمور هي حقوق مشروعة واأن الزوج مقصر فتبدأ وتر المشاكل بالتصاعد حتى يصل الأمر إلى الطلاق.
فالحياة المثالية التي تصورها هذه الشخصيات بعيدة تماما عن الحياة الواقعية المليئة بالمشاكل وسوء الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار وانتشار الفساد، فالاحتواء هو العنصر الوحيد الذي يلعب دورا مهما في الحياة الزوجية أمام هذه الضغوطات النفسية والمعيشية التي تمر بها المجتمعات.
إذ إن التوقعات الزائدة والتدقيق في التفاصيل والغوص في المثالية لن يقود الحياة الزوجية إلاّ إلى هاوية الفشل.
فالخطوة المهمة هو الوعي، فالنساء اليوم يجب أن تحتاط جيدا من الوقوع في مصيدة الصفحات التي تنشر الجمل والنصائح الوردية التي ظاهرها جميل وعاطفي وداخلها أشواك تخدش عقل المرأة بالأفكار والتوقعات غير الواقعية والمسمومة.
أما النوع الآخر الذي لفت انتباهي هي الصفحات التي تناشد بتطوير التربية واستخدام الأساليب الحديثة في توجيه الأطفال فهنالك شخصيات هدفها هو خلق جيل واعٍ ومدرك، ولكن بالمقابل هنالك شخصيات هدفها هو هدم الجيل القادم من فترة نشوئه، عن طريق تشويه المفاهيم الأصلية للتربية الإسلامية التي تحمل المبادئ والقيم الانسانية، وطرح الأفكار التي تشجع على التصرفات غير الأخلاقية والعلاقات المحرمة، واللبس غير المحتشم، والتدخين تحت عنوان الحرية، بالإضافة إلى زرع العناد وعدم احترام الوالدين وكلام الكبار في السن بحجة أن الزمن تغير والكبار بعيدين عن التطور والانفتاح الحاصل في العالم، وغيرها الكثير والكثير من المبادئ السامة التي يتم عرضها بطريقة راقية وجذابة تحمل عنوان الحرية والانفتاح إلا أنها في الحقيقية ليست إلاّ نذير شؤم إلى الفساد والانحراف.
وهنا يكمن دور الأهل في استخراج المفاهيم الصحيحة للتربية الحديثة التي تتلاءم مع الدين ومع التطور الحاصل في المجتمعات، إذ إن من الخطأ أن يتربى طفل اليوم على تربية الأمس لأن لكل عصر تربية ومعاملة خاصة به، إذ يذكر في الحكم المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام): "لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"[1].
فالخطوة المهمة هي متابعة الأهل لشخصيات مزجت التربية الحديثة مع الدين وقدمت مادة مفيدة وعملية للتعامل مع الأطفال.
وتطبيق التربية الحديثة الشاملة للمفاهيم الدينية والتنموية في المنزل ومتابعة الطفل ومحاولة تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يكتسبها من الشارع والمدرسة بطريقة ذكية وودودة تشمل أهم العوامل ألا وهي الشرح والتفاهم والمودة والاجابة عن كل التساؤلات التي يطرحها الطفل بطريقة بسيطة ومقنعة.
فليس كل مؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي هو انسان صالح، فالعدو بات يجتاح بيوتنا غصبا عن ارادتنا الشخصية من خلال الانترنت والكتب والتعليم وغيرها من الوسائل، ويستخدم أناسا يتكلمون لغتنا ويحملون مبادئنا الظاهرية ويقدمون إلينا أفكارنا بعد أن يزوقونها بالباطل والضلال هدفا منهم في نخر المجتمع من أساسه، فهنالك شخصيات كثيرة باتوا كأحجار نرد يتلاعب الغرب بهم لتوجيه المجتمعات الإسلامية إلى الانحراف الفكري والعقائدي بطريقة سلسلة وخادعة.
فما يترتب على المجتمع اليوم في هذه الحرب الفكرية الشرسة هو أن ينتبه أكثر إلى ما يشاهد ويتابع من شخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يحلل الكلام المطروح في المنشورات والفيديوهات وأن يقتبس منها ما هو مفيد ويعزل المنحرف منها ويفضح ناشرها ويحذر الناس من متابعة هكذا صفحات، لكي يعرف الآخرون حقيقية الشخصيات المؤثرة التي أسست محتواها على الباطل لتوقع أبناء جلدتها في مهلك الغرب.
اضافةتعليق
التعليقات