ما كاد العالم يبدأ بالدخول في مرحلة التعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب تفشي فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، حتى بدأت روسيا بغزو أوكرانيا.
وأدت الحرب إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والكهرباء وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات والمواد الغذائية في معظم أنحاء العالم مسببة موجة تضخم عالمية لا تزال آخذة في التفاقم، ولم يشهد العالم مثيلاً لها منذ عام 2008.
في العالم العربي، لم تتخذ إلا بعض الدول الخليجية إجراءات للحد من تأثير التضخم على مواطنيها.
وعلى سبيل المثال، تم تخصيص مبلغ 5.3 مليار دولار، لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار في المملكة العربية السعودية، بحسب ما جاء على موقع الوكالة السعودية للأنباء، سيخصص حوالي (2.77 مليار دولار) كمساعدات نقدية للمستفيدين من قانون الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن الذي أطلقته السعودية عام 2017، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، بينما سيخصص باقي المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية والتأكد من توفرها.
ويقول أحمد حسن، وهو سوري مقيم في العاصمة السعودية، الرياض منذ حوالي 10 سنوات، لبي بي سي عربي، إن نظام الضمان الاجتماعي في المملكة "لا يشمل الأجانب أمثالنا من غير السعوديين، وبالتالي مهما عانى السعودي من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، فذلك لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً مما نعانيه نحن المقيمين".
ويتابع حسن قوله: "المشكلة ليست في ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة فحسب بل وفي فرص العمل التي يحصر بعضها في الجنسيات السعودية فقط".
ويتخذ العديد من بلدان العالم الغربي إجراءات مختلفة لمواجهة عبء التضخم وارتفاع الأسعار، لكن يبدو أنها غير كافية مع الصعود المستمر للأسعار.
وأظهر استطلاع جديد أن أكثر من ثلث الأشخاص في جميع أنحاء المملكة المتحدة بدأوا بتقليل مشترياتهم من الأغذية والضروريات للحد من تكاليف المعيشة. كما أن هذا الرقم أعلى بالنسبة لأصحاب الدخل المنخفض والمستأجرين وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويشير المسح، الذي أجراه مكتب الإحصاء الوطني بين نهاية مارس/آذار و 19 يونيو/حزيران، إلى أن الملايين من البريطانيين بدأوا بتقليل استهلاكهم للغاز والكهرباء إلى جانب السلع الاستهلاكية الأخرى.
واتخذت العديد من الدول الأوروبية إجراءات مختلفة للحد من تأثير التضخم على مواطنيها. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، حددت رئيسة وزراء البلاد الجديدة أولوياتها في "تخفيض الضرائب ومساعدة البريطانيين في سداد فواتير الطاقة، وإصلاح هيئة الصحة الوطنية".
وتقول الإعلامية الاقتصادية فيوليت غزال لبي بي سي عربي: "إن ظاهرة التضخم وصلت إلى نسب غير مسبوقة ووضعت صانعي السياسات في مأزق على الرغم من أنها لم تكن مفاجئة، والحل يقع على عاتق الحكومات مجتمعة لأنها ليست مشكلة متعلقة بجغرافية معينة بل عالمية".
وتوضح غزال أنه بالإضافة إلى أسباب التضخم العالمية التي بدأت منذ تفشي فيروس كورونا ولاحقا الحرب الروسية الأوكرانية، "هناك أسباب محلية أيضاً، وفي مقدمتها زيادة الإيجارات التي ارتفعت في بعض الدول بنسبة 30 في المئة، وزيادة التدفقات النقدية الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والانفاق الحكومي المتزايد ورفع الأجور بطريقة غير مدروسة... كل هذا سينعكس سلباً على أصحاب الدخل المحدود، كونهم الحلقة الأضعف في مقاومة أثر التضخم".
تقول جميلة محمد، من مدينة حلب السورية: "أكثر ما يؤرقني هو كيفية تدبير الإيجار الشهري لمنزلي، رغم أن زوجي يعمل ستة أيام في الأسبوع، لكن أجره بالكاد يغطي نفقات السلع الضرورية الآخذة في الارتفاع، ولولا مساعدة الأقارب في أوروبا، لما استطعنا الصمود أمام هذا الغلاء لشهر واحد".
وتضيف: "المشكلة أن المبالغ التي كنا نتلقاها في السابق، لم تعد كافية اليوم، مما يعني أننا سنتقشف أكثر مما نقوم به فعلياً... قررت العمل في المنزل وإعطاء دروس خصوصية في الكيمياء لطلاب المرحلة الإعدادية، لكن لا أحد لديه المال من أجل رفاهية الدراسة".
بلغت أعداد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية قبل تفشي كورونا، أكثر من 14 مليون شخص في عام 2019 بحسب منظمة العمل الدولية. وخسرت المنطقة العربية حوالي 15 مليون وظيفة في الربع الأخير فقط من عام 2020 بسبب تفشي الجائحة، ويبدو أن هذا الرقم آخذ في الصعود بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
تقول غزالة: "ثمة استراتيجيات على المستوى العالمي لحل مشكلة البطالة، ربما أهمها التقليل من قوة تأثير النقابات المهنية في تحديد الحد الأدنى للأجور، وتخفيضه مما يساهم في حل مشكلة البطالة المتعلقة بالأجور، ثانيا: المرونة في سوق العمل من خلال توظيف العمال بسهولة والقضاء على البطالة الجغرافية عن طريق منح الاعفاءات الضريبية لتشجيع الشركات على العمل والاستثمار في المناطق الفقيرة والنائية وهذا أمر غاية في الأهمية، لأن فقاعة الفقر في هذه الجيوب قد تنفجر وتهدد السلم الاجتماعي وأمن الدول".
كما يجب على المواطن في أي بقعة جغرافية تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة، التعلم والتعود على التقشف والاقتصاد في نفقاته التي اعتاد عليها، ريثما تمر هذه المرحلة العصيبة، والحفاظ على مدخراته تحسباً لأي طارئ".
يقول محمد عصام من مصر، "إنه وأسرته بدأوا بتقليل بعض أنواع الأطعمة التي اعتادوا تناولها وحتى طريقة الطهي تغيرت، مثل تخفيف كمية الزيت المستخدم في الطعام والاستغناء عن بعض الوجبات، بالإضافة إلى طلب المعونات من الأقارب".
أما سومر، وهو سوري مقيم في هولندا، فيقول أنه استبدل وسيلة النقل التي كان يستخدمها للوصول إلى عمله من الحافلة إلى الدراجة الهوائية، التي قد لا تجدي نفعاً في فصل الشتاء حين تكثر الأمطار وتزداد سرعة الرياح في البلاد.
ويضيف: "كل شيء آخذ في الارتفاع، أسعار الكهرباء والغاز والمواد الأساسية والضرائب إلا الراتب".
ومثل غيره من المواطنين المقيمين في الدول الأوروبية، زادت تكلفة معيشة أسرته بشكل كبير، ويقول إن فاتورة الكهرباء الشهرية ارتفعت من 180 إلى 280 يورو شهرياً، عدا عن فواتير السلع الأساسية الأخرى".
ولم يعد سومر يطهو الطعام كما اعتاد من قبل إلا ما ندر، واستبدل وجباته بسندويشات خفيفة أقل تكلفة.
لا تعتقد غزال أن تتخذ الحكومات العربية وخاصة خارج منطقة الخليج، أي إجراءات ملموسة للتخفيف من انعكاسات التضخم على مواطنيها، بدليل أن أياً منها لم تتخذ قرارات مماثلة لتلك التي اتخذتها بريطانيا مثلاً فيما يتعلق بالمساعدة في سداد فواتير الطاقة.
وتوضح أنه بعكس ما يقال ويتداول في بعض الدوائر الرسمية، فإن ظاهرة التضخم في المنطقة غير مؤقتة مما يعني أن التدابير التي تتخذها الحكومات لمحاربة التضخم كزيادة دعم السلع ورفع الرواتب ووضع قيود على معدلات رفع الإيجارات هي تدابير غير مجدية، بل قد تزيد من الطلب الاستهلاكي والخدمات مما سيؤدي بالنتيجة إلى رفع معدلات التضخم بطريقة غير مباشرة".
ولكن يجب الإقرار بأن الحكومات تحارب على جبهتين، بحسب قولها، من ناحية يتعين عليها ضبط التضخم ومن ناحية أخرى تطويق آثاره الاجتماعية تحسباً لأي اضطراب أمني واجتماعي قد يربك المشهد السياسي في بعض الدول وخصوصاً أن معظم الدول العربية تعيش حالة عدم استقرار منذ اندلاع الثورات والصراعات الأهلية منذ ما يزيد عن 10 سنوات.
وعن سياسة دعم السلع التي انتهجتها بعض الدول مثل لبنان منذ أكثر من عام، تقول غزال إنها كانت الأسوأ على الإطلاق، "لأن نتائجها صبت في جيوب الميسورين والتجار الذين حصلوا على الدولارات ولم يبادروا إلى خفض الأسعار وهذا ما استنزف أكثر من 8 مليارات من احتياطي مصرف لبنان، ولم يصل إلى الفئة المستهدفة".
وعن طريقة الدعم المنطقية والسليمة التي يتعين على الحكومات العربية، تعتقد أنه من الضروري تسليم الأموال مباشرة إلى المستهلكين عبر بطاقات تموينية ولكن بشكل مؤقت، لأنه إذا طال مدة اتباع هذا الإجراء، فسيضر باحتياطي البلاد من العملات الأجنبية.
تقول فيوليت غزال إنه "يمكن تحفيز الاقتصاد عن طريق زيادة الانفاق، الذي يتم على شكل برامج توظيفية تقوم فيها الحكومة بالتعيين مباشرة وتتعاقد مع الشركات لتقديم الخدمات، ورغم حاجة السياسة المالية إلى مدة زمنية أطول لتنفيذها إلا أنها تمنح الناس الثقة بحكوماتهم".
محمد عبد الرحيم، مقيم سوداني في المدينة المنورة، يعمل مدرساً خصوصياً للغة الإنجليزية يقول: "في ظل الغلاء وارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية، لا يسعنا سوى أن نتأقلم مع الوضع الجديد الذي اعتدنا عليه في السابق في السودان".
ويرى عبد الرحيم أن "البديل لمواجهة ارتفاع الأسعار هو تغيير أسلوب الحياة واعتماد البساطة في جميع نواحيها، مثل استبدال بعض العادات الغذائية والاجتماعية بأخرى أكثر بساطة وأقل تكلفة، فالإنسان قادر على التكيف مع أصعب الظروف وأقساها".
ومن العادات التي غيرها عبد الرحيم في ظل ارتفاع الأسعار، عاداته الغذائية، فبات يعتمد على البقوليات كمصدر للبروتينات بدلاً من اللحوم، كما يحرص على التسوق من المتاجر ذات الأسعار الرخيصة والتي تقدم عروضاً بين الفينة والأخرى.
وتأثر عبد الرحيم بشدة لأنه المعيل الوحيد لأسرته في السودان، فالمبلغ الذي كان يرسله لهم تضاعف لأن الإيجارات والأسعار ارتفعت كلها دفعة واحدة بحسب قوله.
ويتابع قوله "حتى العادات والمجاملات الاجتماعية تأثرت بالغلاء، فلم أعد أدعو الأصدقاء لزيارتي كما اعتدت من قبل ولم أعد أقطع مسافات طويلة لرؤية أحد الأصدقاء لأداء واجب اجتماعي اعتدت القيام به بشكل بديهي سايقاً والخلاصة هي أنني بدأت أقتصد في نفقاتي أكثر مما أنا عليه أصلاً". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات