لم يكن يتوقع المخترع الأمريكي صمويل مورس أن رسالته الإلكترونية الأولى التي أرسلها بشكل مشفّر من مدينة بالتيمور إلى مدينة واشنطن في عام 1844، ستكون الشرارة الأولى لثورة التواصل اللاسلكي التي شهدها العالم فيما بعد، فلقد تعاقبت بعد هذا الحدث الفريد من نوعه، بحوثٌ متواصلة حول كيفية بناء شبكة اجتماعية غير مرئية تؤثر في الحس والفكر البشري بشكل واسع وسريع.
ففي عام 1969 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن إطلاق شبكة (ARPRNET) والتي كانت محدودة بأربعة جامعات اقتضت هذا التواصل الفعّال، وانهالت بعد هذا الصرح التقني الإنجازات الملموسة في هذا المجال، كنظام ((BBS الذي برز في عام 1978 ونظام ((USENET الذي اعتمدته العديد من الجامعات والدوائر الحكومية في عام 1979، ولم يكن هذا الحراك التكنولوجي سوى الخطوة الأولى في سلّم التطور الذي ارتاده العلماء والمبرمجين الغرب الذين أرفدوا المجتمع في مدة لم تتجاوز الثلاثين عاماً، بالكثير من البرامج التي عملت على ربط الوعي الجمعي بالرؤية الأنسب لهم والأفضل للعبث السياسي، حتى أصبحت العقول متلمذة على يد شبكة أرادت تواصلهم الافتراضي لتفصلهم عن العيش الواقعي.
فرغم التسهيلات غير المحدودة التي أتاحتها هذه الشبكات العنكبوتية والتي لا يمكن للمرء أن يتجاوزها: كتقليل المسافات بين البلدان والتعلّم الذكي ومشاركة الآراء والغوص في عالم المعرفة بطرق سهلة ومجانية وغيرها الكثير الكثير، إلا أن الحدّ الخطر للسلاح الذكي لا يمكن تجاوزه أيضاً، فبرمجة الوعي بشكل سلبي هي أخطر من أسلحة الموت فتكاً بالمجتمع.
ولكن ماذا لو أعلن التاريخ عن وجود شبكة تواصل بنت الإنسان من الألف إلى النون وأعطت الوجود دستوراً للحياة السليمة وذلك بربه بفطرته، قد سبقت عصرنا بمئات بل بآلاف السنوات قِدماً وما زالت الأكثر فاعلية بين الجميع؟
"كتابَ الله وعترتي أهل بيتي"
قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإرسال رسالة كونية بهذا القول سبقت رسالة صمويل مورس بمئات السنين واجتازتها تطوراً وحداثة، وذلك لاستمرارية تأثير هذين العنصرين في أرواح التابعين فضلاً عن أذهانهم، ليُنشئ بذلك شبكة تواصل تربط العوالم ببعضها البعض وتبقى قيد العمل حتى لو قُطعت مزودات الطاقة الكهربائية عنها مدى الحياة.
فلقد عمل أهل البيت (عليهم السلام) بدءاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحتى المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) على تكوين أسس رصينة تمتدُ من الفرد إلى المجتمع ويقوم على أساسها وعي الإنسان وفكره ومنطقه ليكونَ حضوره واعياً وصالحا يصلح بصلاحه المحيط برمّته.
فواحدة من أوسع الشبكات الإسلامية التي انتشرت بصمت ورويّة وعملت بفاعلية خفيّة رصدت بذلك لبّ البشر وألبابهم، هي شبكة صناعة المحتوى التي أقامها الإمام السجاد (عليه السلام) من خلال حملة تربية العبيد.
ففي انعدام الأمن والعنف الحكومي الذي مارسه العباسيون في زمن الإمام السجاد (عليه السلام) ورفضهم الشديد لأي عملية توعية أو تعليم آنذاك يهدد سلطتهم، قام علي بن الحسين (عليه السلام) بطفرة في وعي العبيد آلت إلى رفد أوطانهم بتواصل ديني، أخلاقي وفقهي من دون الحاجة إلى الإعلام الناطق والصريح، حتى أنتجت هذه العملية جيوشاً عالمة بمغزى السماء ومتفقهة بخُلق الأئمة (عليهم السلام)، حتى أسماهم العصر الحديث (بالمبرمجين الصامتين) الذين اختاروا الشبكة الأنقى لاستئصال المعلومة ومن ثم غرسها في الوعي الجمعي، فتعتبر هذه المنظومة هي جزء من المحطة الإعلامية المتطورة التي بناها العترة الطاهرة (عليهم السلام) والتي قدمت الأنموذج الأقوى والأكثر تقدماً وقدماً لوسيلة التواصل الاجتماعي، ....(فإن ذُكر الخير كُنتم أوله وأصلهُ وفرعه).
اضافةتعليق
التعليقات