مع أول ليلة من شهر رمضان المبارك أطلقتْ القنوات التلفزيونية برامجها ومسلسلاتها والتي تبدأ مع وقت الافطار وحتى السحر تستمر ببث ما يعتقده المجتمع بأنه واقعه المُسلّم له والجميع يتعامل مع الحياة بهذه الطريقة من فوضى المشاعر وانعدام العقل واتباع الرغبات وتخرج الفرد مؤمنا بقاعدة واحدة ألا وهي: (الغاية تبرر الوسيلة) فالقتل والخيانة والسرقة والكذب والانتحار لها مسوغاتها التي تجعل المشاهد يتعاطف مع هذه الحالات بل ويعتبرها أمرا (عاديا)، وهنا تبدأ الخطورة حين يبدو كل شيء (عادي) ولا توجد انتفاضة عقلية أو حتى فطرية على مجموعة الرذائل المطروحة في شاشة التلفاز.
وإنَّ كل ذلك سيترسخ ليكوّن ثقافة مجتمع أو يعطي انطباعا عن مجتمعاتنا لغيرها، فمثل تلك الثقافة التي بدأتْ تتعزز هي تمرد الأنثى وتجاوزها على الرجل وشتمه وحتى ضربه! وإعطاء الرجل دور المغلوب على أمره وفقدان دوره واحترامه، فقيام الزوجة بطرد الزوج من المنزل لأنه لم يجلب لها (نوتيلا) والتجاوز عليه لأنه طلب غير طبق (الاندومي) المتكرر، فضلا عن إهانة دور المرأة بعرضها وهي تنسى طفلها من أجل انشغالها بمواقع التواصل، أو أنها طوال اليوم تهتم بأناقتها وتترك منزلها بفوضى لا تليق بمفردة انسان، لا أعلم أي واقع تعكسه تلك المشاهد وكبرنا على أيدي أمهات عُرفِتْ بأطباقها المختلفة التي تتميز عربيا والتي كان وما زال العراق البلد الأطيب طعامًا وموائد الشهر الفضيل تشهد على واقعنا المختلف، ومنذ متى وجمال العلاقة بين الزوجين تتحدد بعدم احترام أحدهما الآخر والتجاوز عليه وطرده ليبات عند أمه!
إن هناك بونا شاسعا بين ما يُعرض على شاشات التلفاز وبين الواقع وما يعرضونه قد يمثل الجزء الأقل من هذا المجتمع وهذه القلة هي المرفوضة منه فبدأوا يجعلونها تحت إطار المقبولية بجعلها مثارا للضحك والسخرية حتى بات المجتمع يتقبلها وتصبح تحت جناح (عادي)، في قِبال هذا المجتمع المعروض نجد نسائنا المثابرات وهنَّ يقفن في المطبخ ليجهزنَ سفرة تليق باجتماع العائلة يساعدهن في ذلك البنات والأبناء وحتى بعض الأزواج، فضلا عن خروج هذه العوائل للمساجد والمزارات لقراءة الأدعية وختمات القرآن الكريم وللتدبر فيه واحياء هذا الشهر بما يليق بمقامه العبادي، كلًّ ذلك من صور جميلة تليق به لا تُذكر وإن ذُكرتْ فهي في مصاف السخرية والاستهزاء.
اليوم ومع غلبة التفاهة على المجتمع واخفاء ضياعها المعنوي ببعض الاستهزاء والضحك بدأتْ تتولد لدينا مجموعة من المشاكل النفسية والأخلاقية والرؤية السلبية للحياة والواقع وتحويل الفرد إلى مستهلك فقط على مستوى الأفكار والمشاعر ومدافعا عنها دون وعي وتعطيل كامل لاستخدام العقل وهذا ما نراه متجليا على جيل ما بعد الحداثة، فلا بُد من الابتعاد عن تلك المواضيع المطروحة في المسلسلات الرمضانية وعدم متابعتها والترويج لها ولو على مستوى المزح.
اضافةتعليق
التعليقات