(قضايا الشباب) رسائل موجّهة إلى المجتمع تُريد حلّاً للمستقبل القريب والبعيد؛ لمواجهة التحديّات التي تقف حائلًا بينهم وبين تحقيق آمالهم وطموحاتهم، فَهُم أمل المجتمع، ووقود التطوّر، وتجاهل قضاياهم يُسبّب تراجعاً في تقدّم الأمم وتراخي المجتمعات، فقضاياهم كثيرة ليس لها حدّ واحد؛ لأنّها قضايا متجدّدة مع الزمن، وفي سؤال الاستبيان الذي طُرِح على مجموعة من الشباب: (ما القضايا التي تهمّ الشباب في نظركم بوصفكم شباباً؟) في هذا التحقيق نطّلع على بعض آراء الشباب، وكيف بدأؤوا بمعالجتها.
الشراكة
تؤمن د. إيناس محمّد مهديّ/ مفهرسة في مكتبة بحر العلوم بأنّ تطوير الشراكة مع عدد من المسؤولين ضروريّ للانتقال من مرحلة التعرّف على الأولويّات إلى مرحلة صياغة بنود بآلية تشاركيّة معتمدة على حقوق الإنسان للشباب إلى مرحلة تنفيذها والمراقبة عليها وتقييمها، إعادة صياغتها حسب التطوّرات؛ لنصل إلى مرحلة وضع المعايير الإرشاديّة على الورق، والتي أجد أنّها الأداة الرئيسة لصانعي القرار، بخاصّة للمجتمعات الشبابيّة والطلابيّة، وهذا يتمّ تحت بند المراجعة للقرارات؛ ليتسنّى لنا التأكّد من جودة هذه المعايير وفعاليّتها، ونعوّل على مصطلح (الشراكة) الذي يكون بحدّ ذاته انطلاقةً مدروسة بوعي محنّك وطاقة شبابيّة مستثمرة.
الثقافة الغنيّة
في المقابل تبيّن شاهينة لاشمي/ اختصاصيّة اجتماعيّة في إحدى مدارس كندا الإسلاميّة: "أنّ الدفاع عن المرأة ومناصرتها ضدّ العنف تحتاج إلى خوض تجربة الثقافة الغنيّة، وهذه التجربة لا يمكن الوصول إليها إلّا عن طريق توفير التعليم لجميع أفراد المجتمع في الدول النامية، فالتعليم إذاً يحتاج إلى أن يتطوّر على جميع الصُعُد سواءً الأسريّة، أو البيئة التعليميّة أو المناهج الدراسيّة أو أساليب التعليم، فكلّها عناصر مهمّة تصبّ في مصلحة الفرد، بغضّ النظر عمّا إذا كان المتعلّم ذكرًا أو أنثى؛ فالمتعلّم يمكنه معرفة حقوق أفراد مجتمعه.
مظلّة البناء
بدأت هدى كاظم حديثها/ مرحلة ثالثة/ كلية القانون قائلةً: طرح مثل هذا السؤال يمثل نوع من أنواع الاهتمام بالشباب وقضاياهم، إضافة إلى رسم منهجيّة معيّنة لنا بوصفنا شباباً، وهو فرصة لبناء قاعدة أساسيّة لنا ولغيرنا من الشباب، إذ تعرّفنا على تجارب ناجحة بالنسبة إلى العمل الشبابيّ في ضمن كلّ مجتمع على حدة، مثلما تعرّفنا على خصوصيّات المجتمع وعموميّاته في الوقت نفسه، وكيف يتمّ نقل هذه الخبرات إلى مكان آخر. واجهتنا عدّة صعوبات بسبب التعقيدات الموجودة في الدول، ولابدّ لنا بوصفنا شباباً من التخطيط لبناء مظلّة كاملة لنا ولغيرنا من الشباب، والسعي إلى بناء سياسات عامّة يستفيد منها المجتمع الشبابيّ.
فالعمل مثلاً في القانون بعد التخرّج لم يعدْ من الضروريّات لعديد من الخرّيجين، فالنتيجة هو أنّ الشباب عاطل ومُعَطَّل ولا يتمّ استخدامه، فنحن نريد أن نتجنّب هذه النتيجة، ونريد لسواعد الشباب أن تبني ولا تدمّر، ونحاول أن نركّز على سياسات التوظيف، وبالذات الصناعات الصغيرة والمتوسّطة، وكيف نستوعب القنبلة الموقوتة هذه.
تداعيات
من جهتها تُبيّن ياسمين رعد/ طالبة في كليّة القانون تتشعّب قضايا الشباب واختلافها، إلّا أنّها تجد البطالة أهمّ هذه القضايا من بين قضايا الشباب، بوصفها عثرة في طريق نجاحهم، وعثرة في طريق البدء في حياتهم الاجتماعيّة والماليّة، فالشابّ العاطل عن العمل يشعر بالخيبة والإحباط وقلّة الفائدة، ممّا يُسهم في زعزعة استقرار التعليم، وتضخّم في سوق العمل غير المدروس وفق القواعد الاقتصاديّة.
لا مكان للمستحيل
تقول السيدة جمانة حداد/ طالبة تصميم مجوهرات من لبنان: إشراك الطفل منذ الصغر في العمل يجعل منه إنسانا منتجا غير مستهلك، بالإضافة إلى إشغال فكره بهواية يسعى إلى انجازها قد تكون في المستقبل مصدر لبناء حياته المادية واستقلاليته فيها، وتكمل: "كل منا له أحلامه التي يحلم بتحقيقها إلا أن الواقعية تعتبر سمة يحتاجها شباب اليوم في قضاياهم، فمن قراءة كتاب استطعت خوض تجربة التصميم، ومن درس واحد استوحيت أنماط عديدة لتصاميمي فمطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى وتحتاج إلى أن تستثمر كل ما هو حولك وتستثمره لنفسك، لعل الأيام التي نعيشها نجد فيها الكثير من الصعوبات إلا أن الإعلام له دور كبير في توصيل رسالة إلى الشباب وتسليط الضوء على العناصر الملهمة ونقل صورة معبرة عما يتحقق للفرد المبدع.
رأي الإعلام
إيّاكَ أن تبتلّ بالماء
هاشم شرف/ صانع أفلام "إنسان" : الإعلام العربيّ مشغول بقضايا بعيدة كلّ البعد عن الشباب، عِلمًا أنّ الاهتمام بقضاياهم هي أهمّ خطوة لكلّ مجتمع يطمح إلى الريادة، وإن كانت بعض المجتمعات تهتمّ بالمساقات التنمويّة التي تختصر أفكارها الرئيسة وأهدافها في توظيف الشباب وتوطين سوق العمل، مع أنّ توطين سوق العمل هو نتيجة ستحدث حينما يتأهّل الشباب فعلًا ليحتلّوا سوق عملهم بكفاءة، وتأهيل الشباب عمليّة معقّدة ومتكاملة تشمل تأهيل شخصيّتهم، وتسليحهم بقيم معيّنة وأن تكون احتياجاتهم مُشبعة، وهنا يستحضرني قول الحلّاج في بيت من الشعر، والذي أجده مناسبًا لحال المجتمع الشبابيّ اليوم:
ألقاه في اليمِّ مكتوفًا وقال له إيّاكَ إيّاكَ أن تبتلّ بالماءِ؟!
فالإعلام بشقّيه (المرئيّ، والمسموع) له دوره، ولكنّه وحده لا يكفي؛ لأنّه يحتاج إلى ابتداع خطاب مَرِن ومتنوّع في تناوله هموم الشباب ومشكلاتهم، وعلى الإعلام أحيانًا أن يتلمّس مشكلات الشباب ويقوم بتأطيرها وصياغتها لطرحها والتعبير بلسانهم، وأفضل حلّ في وقتنا الحاليّ هو أن تتكاتف جميع المؤسّسات الحكوميّة والمؤسّسات الأهليّة عن طريق نبذ العقليّة الروتينيّة والتقليديّة لهذه المؤسّسات لتعمل متكاملة عن طريق تحليل القضايا الشبابيّة وأبعادها للمستقبل القريب والبعيد، فكلّ مؤسّسة تؤدّي دورها في حدود اختصاصها وتعمل بشكل متناسق في إطار استراتيجيّة موحّدة لتنفيذ رؤية موحّدة، وتضمّ في أجندتها القطاع الخاصّ الذي يمكنه أن يؤدّي دورًا أكبر وأكثر تأثيرًا في المجتمع خاصّة، وهنا نبدأ بالعمل الجماعيّ لا عمل الجزيرة المنفصلة، وهذا يتطلّب من المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة والمجتمع والشباب الاطّلاع على تجارب الدول الأخرى في كيفيّة إيجاد الحلول للقضايا الشبابيّة، عن طريق اجتماعات دوريّة جامعة تضمّ كافّة الجهات ذات الصلة، وتؤدي دورًا مهمّا أيّاً كان مستواه وحجمه، لوضع استراتيجيّة شاملة للشباب؛ لفهم عدّته الحقيقيّة للمستقبل، والترويج لها يقع على عاتق الإعلام في كيفيّة الطرح والإعلان، وعلى الإعلام أن يُبادر أحيانًا مثل مبادرتكم هذه الآن.
قضايا الشباب ملف مهمّ بمعطياته لا بدّ من ألّا نغفل عمّا يواجهه الشباب من تحديّاتٍ اجتماعيّة، واقتصاديّة؛ لأنّ قضاياهم قضايا مترابطة ومتداخلة ويؤثّر بعضها ببعض، وأبرز تأثيرٍ هو أنّ القضايا الماليّة وقضايا العمل المتعلّقة بهم تؤثّر في استقرارهم الاجتماعيّ، فهُم وقود المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات